سفر أشعياء الجزء الثالث - ابونا تيموثاوس ميلاد
الجزء الثالث
من الإصحاح الثالث عشر إلى الإصحاح الثالث و العشرون
نبوات عن الأمم
Ø يقدم أشعياء في هذا الجزء مجموعة من الرسائل الموحى بها عن الأمم التي كانت لها صلة بشعبه فيما مضى وهذه الرسائل النبوية هي :
1_ وحي من جهة بابل ( ص 13 , ص 14)
2_ وحي من جهة موآب ( ص 15 , ص16)
3_ وحي من جهة دمشق و افرايم ( ص 17)
4_ وحي من جهة أرض حفيف الأجنحة ( ص 18)
5_ وحي من جهة مصر (و الحبشة ) ( ص 19 , ص20)
6_ وحي من جهة أدوم و العربية ( ص 21)
7_ وحي من جهة وادي الرؤيا ( ص22 )
8_ وحي من جهة صور ( ص 23)
الإصحاح الثالث عشـــــر
Ø في هذا الإصحاح _ و الإصحاح التالي _ يتنبأ اشعياء عن مصير بابل التي لم تكن في أيام هذا النبي قد ارتفعت عظمتها ، بعــــد بل كانت في مملكة أشور تتمثل القوة السائدة . و لكن أشعياء بإرشاد الروح القدس قد سبق الأحداث بما يزيد على قرن من الزمان ... و جاء اليوم الذي فيه توارت أشور وراء بابل
التي صارت عاصمة لمملكة نبوخذنصر الذي تعاظم و ارتفع و سبي يهوذا إلى بلاده .
و يتطلع اشعياء أيضا إلى ما بعــــد ذلك , فيرى سقوط بابل و خرابها في الغزو المادي الفارسي لها ..
Ø و يمكن تقسيم هذا الإصحاح إلى ثلاثة أقسام :
1_ دينونة الرب لبابل ( عــــد 1_ 5)
2_ يوم الرب القادم على بابل ( عــــد 6_ 16)
3_ نهاية بابل ( عــــد 17_ 22)
أولا : دينونة الرب لبابل (عــــد 1 _ 5)
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَابِلَ رَآهُ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ: 2«أَقِيمُوا رَايَةً عَلَى جَبَلٍ أَقْرَعَ. إرْفَعُوا صَوْتاً إِلَيْهِمْ. أَشِيرُوا بِالْيَدِ لِيَدْخُلُوا أَبْوَابَ الْعُتَاةِ.
3أَنَا أَوْصَيْتُ مُقَدَّسِيَّ وَدَعَوْتُ أَبْطَالِي لأَجْلِ غَضَبِي مُفْتَخِرِي عَظَمَتِي». 4صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى الْجِبَالِ شِبْهَ قَوْمٍ كَثِيرِينَ. صَوْتُ ضَجِيجِ مَمَالِكِ أُمَمٍ مُجْتَمِعَةٍ. رَبُّ الْجُنُودِ يَعْرِضُ جَيْشَ الْحَرْبِ. 5يَأْتُونَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ مِنْ أَقْصَى السموات. الرَّبُّ وَأَدَوَاتُ سَخَطِهِ لِيُخْرِبَ كُلَّ الأَرْضِ.
(عــــد 1 ) :
" وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَابِلَ رَآهُ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ "
كلمة " وحي " هي في العبرية ( massa ) و قد ترجمت إلى " وحي" في مواضع كثيرة مثل ( أم 30 : 1 , 31: 1 _ نا 1: 1 _ حب 1:1 _
زك 9 : 1 , 12: 1 _ ملا 1:1) وهي في معناها العادي ( عبئا أو ثقلا ) _ و في المجال النبوي تتضمن معنى المسئولية التي يحمل رجل الله ثقل حملها
في تبليغ رسالة السماء إلى الناس بما في ذلك من توبيخ الأشرار و إنذارهم ..
و في هذا العــــدد الافتتاحي , تُنسَب النبوة على بابل إلى اشعياء ، بما لا يترك مجالا للشك من جهة كونه كاتبها.
و لم تكن بابل في ذلك الوقت تمثل عــــداوة ليهوذا , و لكنها صارت فيما بعــــد أشد الأعــــداء خطرا عليها..
(عــــد 2) :
" أَقِيمُوا رَايَةً عَلَى جَبَلٍ أَقْرَعَ ارْفَعُوا صَوْتاً إِلَيْهِمْ. أَشِيرُوا بِالْيَدِ "
هذه عبارات مجازية تعبَر عن استدعاء الرب لجيوش ضد بابل :
_ بإقامة الراية أو علامة الحرب على جبل أجرد بلا أشجار أو نبات يحجب الراية عن الأنظار ..
_ و برفع الصوت و المناداة للبعيدين للتجمع..
_ و بالتلويح بالأيدي للمحاربين لحشدهم و إثارة مشاعرهم..
( عــــد 3) :
3أَنَا أَوْصَيْتُ مُقَدَّسِيَّ وَدَعَوْتُ أَبْطَالِي لأَجْلِ غَضَبِي مُفْتَخِرِي عَظَمَتِي».
يتكلم الرب هنا بنفسه و يستدعي من يستخدمهم لتنفيذ مقاصده و يدعوهم " مقدسي و أبطالي" _ وهم مقدسوه بمعنى معين من جهة كونه أفرزهم لتنفيذ أوامره ( أنظر ار 22: 7 , 51: 27 , صف 1: 7) _ و هم أبطاله لأنهم يستمدون منه القوة , فيصيرون مفتخري عظمته _ أي الذين يفتخرون بها و لأجل غضبه _ أي لتنفيذ دينونة غضبة على حكام بابل .
(عــــد 4) :
4صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى الْجِبَالِ شِبْهَ قَوْمٍ كَثِيرِينَ. صَوْتُ ضَجِيجِ مَمَالِكِ أُمَمٍ مُجْتَمِعَةٍ.
كانت جيوش مادي و فارس عتيدة أن تتجمع بحكم طبيعة بلادها الجغرافية على جبال تأهبا لغزو بابل .... و الذين يسكنون مناطق جبلية تنعكس على
حياتهم قسوة و صعوبة الظروف التي يعيشون فيها فيتصفون بالخشونة و الصلابة... و هاهي أصوات حشودهم " شبه قوم كثيرين صوت ضجيج ممالك
أمم مجتمعة " .
" رَبُّ الْجُنُودِ يَعْرِضُ جَيْشَ الْحَرْبِ "
أي أن الرب و كأنه القائد لهذه الجيوش يستعرض جنوده بنفسه .
(عــــد 5 ):
5يَأْتُونَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ مِنْ أَقْصَى السموات
كانت بلاد مادي و فارس بعيدة عن يهوذا و لم تكن لدى اليهود أية معرفة عن بلاد نائية في الشرق و لذلك أستخدم اشعياء تعبير " من أقصى السموات "_ بمعنى من أطراف الأرض و نهايتها حيث " أقصى السموات " _ وذلك بحسب مفهوم تلك الأيام...
" الرَّبُّ وَأَدَوَاتُ سَخَطِهِ لِيُخْرِبَ كُلَّ الأَرْض "
بلغة المجاز و التصوير البلاغي , يتكلم اشعياء و كأن الرب يتقدم صفوف جنوده و معه أسلحه غضبه لكي يخرب أرض معانديه و مقاومي إرادته.
ملحـــوظة
أنصبت النبوة هنا حرفيا على غزو بابل و سقوطها _ و هي من الناحية الروحية تشير إلى سقوط ممالك الشر أمام عمل الله في كنيسته . و قد جاءت
الإشارة إلى ذلك في سفر الرؤيا حيث قيل " سقطت سقطت بابل العظيمة" ( 18: 2)
ثانيــا : يوم الرب القادم على بابل ( عــــد 6: 16)
6وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ قَادِمٌ كَخَرَابٍ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. 7لِذَلِكَ تَرْتَخِي كُلُّ الأَيَادِي وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ 8فَيَرْتَاعُونَ. تَأْخُذُهُمْ أَوْجَاعٌ وَمَخَاضٌ. يَتَلَوُّونَ كَوَالِدَةٍ. يَبْهَتُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ لَهِيبٍ. 9هُوَذَا يَوْمُ الرَّبِّ قَادِمٌ قَاسِياً بِسَخَطٍ وَحُمُوِّ غَضَبٍ لِيَجْعَلَ الأَرْضَ خَرَاباً وَيُبِيدَ مِنْهَا خُطَاتَهَا. 10فَإِنَّ نُجُومَ السموات وَجَبَابِرَتَهَا لاَ تُبْرِزُ نُورَهَا. تُظْلِمُ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا وَالْقَمَرُ لاَ يَلْمَعُ بِضُوئِهِ. 11وَأُعَاقِبُ الْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى إِثْمِهِمْ وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَأَضَعُ تَجَبُّرَ الْعُتَاةِ. 12وَأَجْعَلُ الرَّجُلَ أَعَزَّ مِنَ الذَّهَبِ الإِبْرِيزِ وَالإِنْسَانَ أَعَزَّ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ. 13لِذَلِكَ أُزَلْزِلُ السموات وَتَتَزَعْزَعُ الأَرْضُ مِنْ مَكَانِهَا فِي سَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ وَفِي يَوْمِ حُمُوِّ غَضَبِهِ. 14وَيَكُونُونَ كَظَبْيٍ طَرِيدٍ وَكَغَنَمٍ بِلاَ مَنْ يَجْمَعُهَا. يَلْتَفِتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ. 15كُلُّ مَنْ وُجِدَ يُطْعَنُ وَكُلُّ مَنِ انْحَاشَ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ. 16وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ.
يصف اشعياء في هذه الأعــــداد الأهوال الشديدة التي ستقع على بابل في يوم انتقام الرب منها و هو ما يدعوه "يوم الرب"
و يمكننا القول أن هذه التسمية ترجع إلى أسباب منها
1_ أن الرب هو الذي حدد زمانه و رسم جميع أحداثه ووقائعه .
2_ وان هذا اليوم هو يوم قضاء و حكم من الرب الذي يعلن سلطانه على الممالك والشعوب و يكشف عن برة و عــــدالته .
3_ كما كان ذلك اليوم هو يوم إتمام مواعيده مع شعبة الذي كان مسبيا في بابل و قد آن الأوان لعودتهم إلى بلادهم .
( عــــد 6) :
" 6وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ قَادِمٌ كَخَرَابٍ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ "
يتكلم النبي منذرا حكام بابل بأن يوم الانتقام الإلهي أصبح قريبا و قد تم كلام النبي سنه 538 ق.م حينما تمكن كورش ملك الفرس من اقتحام بابل و تخريبها تماما أي بعــــد إعلان اشعياء لهذه النبوة بمدة قدرها 162 من السنين .
لقد كانت بابل تتمتع بتحصينات منيعة و قد ذكر المؤرخون القدماء أن أسوارها بلغت 60 ميلا طولا و 300 قدما ارتفاعا و 80 قدما سمكا و كانت أساساتها 35 قدما عمقا في الأرض و كان على السور 250 برجا لحراستها و لكن الرب القادر على كل شيء أستخدم من استطاعوا أن يدمروا تلك التحصينات الشامخة ..
(عــــد 7) :
" 7لِذَلِكَ تَرْتَخِي كُلُّ الأَيَادِي وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ "
يستولى الخوف و الهلع على أهل بابل و جنودها فترتخي أياديهم و لا تقوى على حمل السلاح و تذوب قلوبهم إذ يفقدون شجاعتهم .
(عــــد 8) :
" 8فَيَرْتَاعُونَ. تَأْخُذُهُمْ أَوْجَاعٌ وَمَخَاضٌ. يَتَلَوُّونَ كَوَالِدَةٍ "
يصيبهم الرعب و ينتابهم الفزع و تحل بهم آلام تجعلهم يتلوون كوالدة تعاني من أوجاع المخاض .
" يَبْهَتُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ لَهِيبٍ "
في حيرتهم يحملق بعضهم ببعض مرتكبين بحثا عن النجاة ووجوههم ملتهبة و كأنها لفحت بنار .
(عــــد 9) :
9هُوَذَا يَوْمُ الرَّبِّ قَادِمٌ قَاسِياً بِسَخَطٍ وَحُمُوِّ غَضَبٍ لِيَجْعَلَ الأَرْضَ خَرَاباً وَيُبِيدَ مِنْهَا خُطَاتَهَا
يأتي يوم القضاء الالهى مشتعلا بنار غضب الرب فيجعل الأرض خرابا و يستأصل منها الخطاة .
(عــــد 10) :
10فَإِنَّ نُجُومَ السموات وَجَبَابِرَتَهَا لاَ تُبْرِزُ نُورَهَا. تُظْلِمُ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا وَالْقَمَرُ لاَ يَلْمَعُ بِضُوئِهِ.
في الأدب العبري يعبر عن سقوط و خراب الممالك بسقوط النجوم و ظلام القمر و الكواكب .... ( يوئيل 2: 10 , 3: 15_ 16 , عاموس 5: 8 )
وها هو اشعياء يصور يوم خراب بابل بيوم ظلام دامس فيه تظلم أجرام السماء فالشمس تظلم عند طلوعها و القمر لا يلمع بضوءه و نجوم السموات
وجبابرتها ( أي بروجها و مجموعاتها) لا تعطى نورها .
( عــــد 11) :
11وَأُعَاقِبُ الْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى إِثْمِهِمْ
يعاقب الرب المسكونة ممثله في بابل لأنها كانت تحكم المسكونة و ذلك بسبب شرورها و نفاق المنافقين فيها ...
وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَأَضَعُ تَجَبُّرَ الْعُتَاةِ
كان نبوخذ نصر ملك بابل قد تعاظم متكبرا ناسبا إلى نفسه القوة و الاقتدار فحطم الرب كبرياءه ( دا 4 : 30 _ 33 ) ومن المعروف أنه قبل الكسر الكبرياء و قبل السقوط تشامخ الروح ( أم 16: 18)
(عــــد 12 ) :
12وَأَجْعَلُ الرَّجُلَ أَعَزَّ مِنَ الذَّهَبِ الإِبْرِيزِ وَالإِنْسَانَ أَعَزَّ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ.
من ويلات بابل أن رجالها يتناقصون جدا حتى يصبح وجود الرجل الواحد نادرا جدا و ذلك بسبب هلاك رجالها في الحرب بيد الأعــــداء و الغزاة .
(عــــد 13) :
13لِذَلِكَ أُزَلْزِلُ السموات وَتَتَزَعْزَعُ الأَرْضُ مِنْ مَكَانِهَا فِي سَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ وَفِي يَوْمِ حُمُوِّ غَضَبِهِ.
ترتعــــد السموات و الأرض لهول الدينونة الالهية التي تقع على بابل ( أنظر مت 24: 29 , 2 بط 3: 10 , رؤ 6: 9_ 17 و 20 : 11) .
و لا يتحتم أن نأخذ المعنى و المقصود هنا حرفيا فقد يكون اشعياء إنما أراد تصوير تلك الدينونة في هولها و شدتها بصورة رهيبة تثور معها الطبيعة لحمو غضب رب الطبيعة .
(عــــد 14) :
14وَيَكُونُونَ كَظَبْيٍ طَرِيدٍ وَكَغَنَمٍ بِلاَ مَنْ يَجْمَعُهَا.
يهرب أشداء بابل و جنودها كغزال مطارد أو غنم لا راعي لها .
يَلْتَفِتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ َيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ
استخدمت بابل جنودا غرباء من بلاد مختلفة فيلتفت كل واحد إلى قومه و أهله و يلوذ كل واحد بالفرار و العودة إلى بلده.
( عــــد 15 ) :
15كُلُّ مَنْ وُجِدَ يُطْعَنُ وَكُلُّ مَنِ انْحَاشَ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ.
يتعقب الغزاة جميع الناس فيطعنون كل من يقبضون عليه و يقتلون بالسيف كل من يمسكونه.
( عــــد 16 ) :
16وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ.
و بالإضافة إلى ما سبق , فإنهم يحطمون الأطفال أمام عيون والديهم و يسلبون البيوت و يغتصبون نساءهم .
ثالثـا : نهاية بابل ( عــــد 17 - 22)
17هَئَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ الْمَادِيِّينَ الَّذِينَ لاَ يَعْتَدُّونَ بِالْفِضَّةِ وَلاَ يُسَرُّونَ بِالذَّهَبِ 18فَتُحَطِّمُ الْقِسِيُّ الْفِتْيَانَ ولاَ يَرْحَمُونَ ثَمَرَةَ الْبَطْنِ. لاَ تُشْفِقُ عُيُونُهُمْ عَلَى الأَوْلاَدِ. 19وَتَصِيرُ بَابِلُ بَهَاءُ الْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ الْكِلْدَانِيِّينَ كَتَقْلِيبِ اللَّهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ. 20لاَ تُعْمَرُ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ تُسْكَنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ وَلاَ يُرْبِضُ هُنَاكَ رُعَاةٌ. 21بَلْ تَرْبُضُ هُنَاكَ وُحُوشُ الْقَفْرِ وَيَمْلَأُ الْبُومُ بُيُوتَهُمْ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ بَنَاتُ النَّعَامِ وَتَرْقُصُ هُنَاكَ مَعْزُ الْوَحْشِ 22وَتَصِيحُ بَنَاتُ آوَى فِي قُصُورِهِمْ وَالذِّئَابُ فِي هَيَاكِلِ التَّنَعُّمِ وَوَقْتُهَا قَرِيبُ الْمَجِيءِ وَأَيَّامُهَا لاَ تَطُولُ.
تتحدث هذه الأعــــداد عن خراب شامل لبابل يشبِهَه اشعياء بخراب سدوم و عمورة و ذلك من جهة كونه عقابآ على الشر و الفساد و الطغيان , و فى كونه يقع فجأه أثناء لهو سكانها و غفلتهم .
و يذكر النبي أنها ستصير مهجورة لا تعمر إلى الأبد ( عــــد 20 ) و هذا قد تم فعلا إذ أن الاسكندر الأكبر حاول أن يعيد مجدها و لكنه مات قبيل تنفيذ محاولته و بقيت أطلالها حتى استخدمت في بناء مدينة بغداد وكان نجم بابل قد ارتفع سنه 606 ق.م . و زال هذا المجد سنه 539 ق.م حينما سقطت في أيدي الفرس ( أنظر تفسير اشعياء لأنطون يعقوب )
و إذ يذكر سفر الرؤيا سقوطها إنما يجعل منها مثالا لسقوط كل قوة يستخدمها ابليس و العالم ضد كنيسة المسيح (رؤ 18: 10 ) .
(عــــد 17) :
17هَأَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ الْمَادِيِّينَ الَّذِينَ لاَ يَعْتَدُّونَ بِالْفِضَّةِ وَلاَ يُسَرُّونَ الذَّهَبِ
يستخدم الرب الماديين لتوقيع العقاب المدمر لبابل لخرابها و الماديون هم سلالة مادي بن يافث ( تك 10: 2) و كانت صلتهم و ثيقة بالفرس في الجنس و اللغة والحضارة و قد ارتفع شأن مملكة مادي و اتحدت بمملكة فارس و توابعها في أيام كورش سنة 588ق.م . و أصبحت بذلك تعرف بمملكة مادي فارس
و قد اشتهر الماديون بخيولهم و أفراسهم و ميلهم إلى الحرب و تعطشهم لسفك الدماء فهم لذلك لا يكترثون للفضة و لا يسرون بالذهب و لا يغريهم شيء على التوقف عن مواصله اعتدءاتهم.
( عــــد 18) :
18فَتُحَطِّمُ الْقِسِيُّ الْفِتْيَانَ ولاَ يَرْحَمُونَ ثَمَرَةَ الْبَطْنِ. لاَ تُشْفِقُ عُيُونُهُمْ عَلَى الأَوْلاَدِ
و في قسوة هؤلاء الماديين و شراستهم تحطم قسيهم ( جمع قوس أي آله حرب تقذف بها السهام) الفتيان و هم في صلابة قلوبهم لا يرحمون ثمرة البطن من الأولاد و الرضعان.
(عــــد 19) :
19وَتَصِيرُ بَابِلُ بَهَاءُ الْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ الْكِلْدَانِيِّينَ كَتَقْلِيبِ اللَّهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ
كانت بابل فخر الممالك و زينتها بما فرضته على هذه البلاد و لكنها ستنقلب بالخراب الكامل الشامل كما حدث لسدوم و عمورة.
و كما كانت سدوم و عمورة لاهيتين غافلتين هكذا يكون الأمر بالنسبة لبابل التي هاجمها كورش في نفس الليلة التي أقام فيها ببلشاصرو ليلته الماجنة
( دا 5: 30_ 31) .
( عــــد 20 ) :
20لاَ تُعْمَرُ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ تُسْكَنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ وَلاَ يُرْبِضُ هُنَاكَ رُعَاةٌ
تنبىء اشعياء بما سيلحق ببابل من خراب فتصبح مهجورة بعــــد أن كانت عامرة تموج بالملاهي و الملذات و تزينها " حدائقها المعلقة " التي كانت ضمن عجائب العالم القديم . لكنها ستكون بلا ساكن لا يقيم فيها واحد من البدو خيمته و لا يربض فيها راع قطيعه ..
(عــــد 21 ) :
21بَلْ تَرْبُضُ هُنَاكَ وُحُوشُ الْقَفْرِ وَيَمْلَأ الْبُومُ بُيُوتَهُمْ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ بَنَاتُ النَّعَامِ وَتَرْقُصُ هُنَاكَ مَعْزُ الْوَحْشِ
لقد تم هذا الجزء من النبوة على بابل تدريجيا و بلغت قمة اتمامها بعــــد قرون من عهد اشعياء فقد ظلت بابل كمدينة كبيرة من عهد كورش إلى عهد الاسكندر الذي أثار موقعها إعجابه و كان يريد أن يجعلها عاصمة له و لكنها بدأت في التدهور و الانحدار بدرجه خطيرة في عهد السلوقيين إذ صارت مدينه سلوقية على نهر دجله و الفرات منافسة لها و أصبحت مدينه أنطاكيه عاصمة فهجرها سكانها شيئا فشيئا حتى صارت في بداية العصر المسيحي مهجورة تماما ما عــــدا مجموعة قليلة من المشتغلين بالفلك و الرياضيات و لم يعــــد لها وجود في عهد الساسانيين و قد زار مكانها في القرن الثاني عشر ( Benjemin Of Tudela ) فلم ير إلا خرائب القصر و بعــــد أن أصبحت بابل مهجورة صار البوم يملاء بيوت السكان الخربة و سكنتها الوحوش التي تعيش في القفر كبنات آوى و معز الوحوش( الكلمة الأصلية المترجمة هنا " معز الوحش " أو " الماعز البرية " معناها " حيوان مشعر " وهى فى الترجمة الكاثوليكية " الأشاعر " - وهو حيوان وهمى - ترجم فى الانجليزية ( Satyrs ) و كان معبودا بابليا تخيلوا نصفه العلوى لرجل و نصفه السفلى لمعز , وإن كان أشعياء قد ذكره ، فهو إنما إستخدم تعبيرات وصفية بحسب المعتقدات السائدة ) .
( عــــد 22) :
22وَتَصِيحُ بَنَاتُ آوَى فِي قُصُورِهِمْ وَالذِّئَابُ فِي هَيَاكِلِ التَّنَعُّمِ
و بعــــد أن كان عظماء بابل يسكنون قصورها الفخمة صارت مساكن لبنات آوى( وهو حيوان أكبر من الثعلب يكثر و جوده في القبور حيث يلتهم جثث الموتى ) - و أصبحت هياكل نعيمها مآوى للذئاب .
وَوَقْتُهَا قَرِيبُ الْمَجِيءِ وَأَيَّامُهَا لاَ تَطُولُ.
كانت الفترة ما بين إعلان هذه النبوة و إتمامها أقل من مائتي سنة و هي مدة قصيرة في حياة الأمم و الشعوب و لا شك أن الإحساس بقرب تحقيق تلك النبوة كان تعزية للذين كانوا في السبي يقاسون مرارته و يشعرون بالحنين إلى بلادهم.
و من ناحية أخرى , إذا اعتبرنا بابل ترمز إلى أى قوة من قوى الشر العالمية التي يستخدمها ابليس ضد أولاد الله فإن هؤلاء يعيشون بمقتضى هذه الكلمات على رجاء أن الرب قريب و تدخله قريب لمعونة أولاده المتكلمين عليه .
الإصحاح الرابع عشر
يشتمل هذا الإصحاح على :
1_ يعقوب ينال رحمة من الرب ( عــــد 1_ 2)
2_ القسم الأول من نشيد الهجاء على ملك بابل ( عــــد 3_ 11)
3_ القسم الثاني من نشيد الهجاء على ملك بابل ( عــــد 12 _ 20)
4_ هلاك بابل و تحطيم أشور و عقاب فلسطين ( عــــد 21_ 32 )
أولا : يعقوب ينال رحمة من الرب ( عــــد 1- 2)
1لأَنَّ الرَّبَّ سَيَرْحَمُ يَعْقُوبَ وَيَخْتَارُ أَيْضاً إِسْرَائِيلَ وَيُرِيحُهُمْ فِي أَرْضِهِمْ فَتَقْتَرِنُ بِهِمِ الْغُرَبَاءُ وَيَنْضَمُّونَ إِلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ. 2وَيَأْخُذُهُمْ شُعُوبٌ وَيَأْتُونَ بِهِمْ إِلَى مَوْضِعِهِمْ وَيَمْتَلِكُهُمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ الرَّبِّ عَبِيداً وَإِمَاءً وَيَسْبُونَ الَّذِينَ سَبُوهُمْ وَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى ظَالِمِيهِمْ
( عــــد 1 )
1لأَنَّ الرَّبَّ سَيَرْحَمُ يَعْقُوبَ وَيَخْتَارُ أَيْضاً إِسْرَائِيلَ وَيُرِيحُهُمْ فِي أَرْضِهِمْ فَتَقْتَرِنُ بِهِمِ الْغُرَبَاءُ وَيَنْضَمُّونَ إِلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ.
بعــــد أن يذل شعب الله في السبي يعودون بالتوبة إلى الرب الذي يرحمهم و يريحهم في أرضهم و يجدد اختيارهم و يعيدهم إلى أرضهم و تقترن بهم الغرباء الذين ينضمون إلى ديانتهم هؤلاء هم الدخلاء من الأمم الذين أصبحوا داخل حظيرة نسل إبراهيم ( اس 8: 17) وبذلك انفتحت اليهودية على الأمم الوثنية و جذبت منهم كثيرين كانوا باكورة دخول الأمم في الإيمان بالمسيح ( إقرأ أعمال 2: 10 , 13: 43 , حيث يذكر " يهود و دخلاء " )
( عــــد 2 ) :
2وَيَأْخُذُهُمْ شُعُوبٌ وَيَأْتُونَ بِهِمْ إِلَى مَوْضِعِهِمْ
ستقوم الأمم الوثنية التي عاش شعب الله بينهم في السبي بإعادتهم إلى أرضهم , لا بالعنف و القوة بل برضاهم و اختيارهم .
وَيَمْتَلِكُهُمْ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ الرَّبِّ عَبِيداً وَإِمَاءً
و في عودتهم إلى بلادهم رغب البعض أن يرافقوهم و صاروا يعملون كعبيد واماء
وَيَسْبُونَ الَّذِينَ سَبُوهُمْ وَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى ظَالِمِيهِمْ
قد تم ذلك حرفيا و معنويا :
_أما حرفيا فقد قام اليهود أثناء عودتهم بشراء بعض سبايا أمتلكهم الماديون و الفارسيون بعــــد الإنتصارهم عليهم كما أن كورش الملك سخر البابليين في بناء الهيكل
_ و أما معنويا فإن السبي هنا يمكن أن يعني السبي الفكري إذ تمكنت الجاليات اليهودية في بلاد مختلفة من نشر الفكر اليهودي بين شعوب كثيرة و لا سيما فيما بين النهرين ..
و على الجانب الأخر : نرى تحقيق هذه النبوة في المسيح الذي سبى سبيا ( أف 4: 8 ) إذ أنه أنتصر على إبليس و جنوده و سباهم بعــــد أن كانوا قد سبوا البشر جميعا و جعلوهم في قبضتهم .
ثانيا : القسم الأول من نشيد الهجاء على ملك بابل
( عــــد 3_ 11)
. 3وَيَكُونُ فِي يَوْمٍ يُرِيحُكَ الرَّبُّ مِنْ تَعَبِكَ وَمِنِ انْزِعَاجِكَ وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ الَّتِي اسْتُعْبِدْتَ بِهَا 4أَنَّكَ تَنْطِقُ بِهَذَا الْهَجْوِ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ وَتَقُولُ: «كَيْفَ بَادَ الظَّالِمُ بَادَتِ الْمُغَطْرِسَةُ؟ 5قَدْ كَسَّرَ الرَّبُّ عَصَا الأَشْرَارِ قَضِيبَ الْمُتَسَلِّطِينَ. 6الضَّارِبُ الشُّعُوبَ بِسَخَطٍ ضَرْبَةً بِلاَ فُتُورٍ. الْمُتَسَلِّطُ بِغَضَبٍ عَلَى الأُمَمِ بِاضْطِهَادٍ بِلاَ إِمْسَاكٍ. 7اِسْتَرَاحَتِ اطْمَأَنَّتْ كُلُّ الأَرْضِ. هَتَفُوا تَرَنُّماً. 8حَتَّى السَّرْوُ يَفْرَحُ عَلَيْكَ وَأَرْزُ لُبْنَانَ قَائِلاً: مُنْذُ اضْطَجَعْتَ لَمْ يَصْعــــد عَلَيْنَا قَاطِعٌ. 9اَلْهَاوِيَةُ مِنْ أَسْفَلُ مُهْتَزَّةٌ لَكَ لاِسْتِقْبَالِ قُدُومِكَ مُنْهِضَةٌ لَكَ الأَخِيلَةَ جَمِيعَ عُظَمَاءِ الأَرْضِ. أَقَامَتْ كُلَّ مُلُوكِ الأُمَمِ عَنْ كَرَاسِيِّهِمْ. 10كُلُّهُمْ يُجِيبُونَ وَيَقُولُونَ لَكَ: أَأَنْتَ أَيْضاً قَدْ ضَعُفْتَ نَظِيرَنَا وَصِرْتَ مِثْلَنَا؟ 11أُهْبِطَ إِلَى الْهَاوِيَةِ فَخْرُكَ رَنَّةُ أَعْوَادِكَ. تَحْتَكَ تُفْرَشُ الرِّمَّةُ وَغِطَاؤُكَ الدُّودُ
( عــــد 3 ) :
3وَيَكُونُ فِي يَوْمٍ يُرِيحُكَ الرَّبُّ مِنْ تَعَبِكَ وَمِنِ انْزِعَاجِكَ وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ الَّتِي اسْتُعْبِدْتَ
يعطيهم الرب راحة من المعاناة و التعب من الانزعاج و الخوف و من العبودية و مرارتها .
( عــــد 4) :
4أَنَّكَ تَنْطِقُ بِهَذَا الْهَجْوِ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ وَتَقُولُ
بعــــد أن يستردوا أرضهم ينطقون بهذا النشيد في هجاء ملك بابل بمناسبة سقوطة و في هذا النشيد تختلط مشاعر الفرح بالشماتة و السخرية
: «كَيْفَ بَادَ الظَّالِمُ بَادَتِ الْمُغَطْرِسَةُ؟
يبدأ نشيد الهجاء بصورة رثاء في قالب تساؤل " كيف باد الظالم و بادت ثورته الجامحة"
( عــــد 5) :
5قَدْ كَسَّرَ الرَّبُّ عَصَا الأَشْرَارِ قَضِيبَ الْمُتَسَلِّطِينَ.
هنا إجابة على التساؤل السابق ..لقد سقط الظالم و سقطت قوته و غطرسته بقوة الرب الذي كسر سلاحه و حطة قوته.
( عــــد 6) :
6الضَّارِبُ الشُّعُوبَ بِسَخَطٍ ضَرْبَةً بِلاَ فُتُورٍ. الْمُتَسَلِّطُ بِغَضَبٍ عَلَى الأُمَمِ بِاضْطِهَادٍ بِلاَ إِمْسَاكٍ
تعــــددت مظالم ملك بابل فقد ضرب شعوبا بغضب ضربات متواصلة .. و تسلط بقسوة على الأمم مضطهدا إياهم بلا توقف .
(عــــد 7) :
7اِسْتَرَاحَتِ اطْمَأَنَّتْ كُلُّ الأَرْضِ. هَتَفُوا تَرَنُّماً.
تستريح الأرض و تطمئن و تستنشق أنفاس الراحة و تترنم الشعوب بفرح لسقوط ذلك الطاغية الشرير..
(عــــد 8 ) :
8حَتَّى السَّرْوُ يَفْرَحُ عَلَيْكَ وَأَرْزُ لُبْنَانَ قَائِلاً: مُنْذُ اضْطَجَعْتَ لَمْ يَصْعــــد عَلَيْنَا قَاطِعٌ.
يشير السرو و الأرز إلى ملوك و رؤساء الشعوب الذين ينالون راحتهم بسقوط ملك بابل الذي كان يعتدي عليهم و يهددهم و يقلق راحتهم .
( عــــد 9 - 11 ):
9اَلْهَاوِيَةُ مِنْ أَسْفَلُ مُهْتَزَّةٌ لَكَ لاِسْتِقْبَالِ قُدُومِكَ مُنْهِضَةٌ لَكَ الأَخِيلَةَ جَمِيعَ عُظَمَاءِ الأَرْضِ. أَقَامَتْ كُلَّ مُلُوكِ الأُمَمِ عَنْ كَرَاسِيِّهِمْ. 10كُلُّهُمْ يُجِيبُونَ وَيَقُولُونَ لَكَ: أَأَنْتَ أَيْضاً قَدْ ضَعُفْتَ نَظِيرَنَا وَصِرْتَ مِثْلَنَا؟ 11أُهْبِطَ إِلَى الْهَاوِيَةِ فَخْرُكَ رَنَّةُ أَعْوَادِكَ. تَحْتَكَ تُفْرَشُ الرِّمَّةُ وَغِطَاؤُكَ الدُّودُ
بأسلوب شاعري ينزل بنا النشيد من قمم لبنان حيث السرو و الأرز إلى أعماق الهاويه حيث أخلية ( أرواح) الذين ماتوا في مكان الإنتظار و يقول النشيد أن الهاوية تهتز لقدوم ملك بابل عندما يمضي إليها بعــــد موته ليلحق بالذين سبقوه فتنهض له الأخيلة من جميع عظماء الأرض و تقوم كل ملوك الأمم عن كراسيهم لاستقبال ملك بابل الذي سقط من عليائه ... و في سخريه و تهكم يقول هؤلاء الملوك لملك بابل " أأنت أيضا قد ضعفت نظيرنا و صرت مثلنا "
لقد هبط فخره مجده إلى أعماق الهاوية و لم يعــــد يسمع لأعواده رنين و أصبحت الرمم فراشه و الدود غطاء له ...
ثالثا : القسم الثاني من نشيد الهجاء على ملك بابل ( عــــد 12 _ 20)
. 12كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ 13وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعــــد إِلَى السموات. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ. 14أَصْعــــد فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. 15لَكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ. 16اَلَّذِينَ يَرُونَكَ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ. يَتَأَمَّلُونَ فِيكَ. أَهَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي زَلْزَلَ الأَرْضَ وَزَعْزَعَ الْمَمَالِكَ 17الَّذِي جَعَلَ الْعَالَمَ كَقَفْرٍ وَهَدَمَ مُدُنَهُ الَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ إِلَى بُيُوتِهِمْ؟ 18كُلُّ مُلُوكِ الأُمَمِ بِأَجْمَعِهِمِ اضْطَجَعُوا بِالْكَرَامَةِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتِهِ. 19وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ طُرِحْتَ مِنْ قَبْرِكَ كَغُصْنٍ أَشْنَعَ. كَلِبَاسِ الْقَتْلَى الْمَضْرُوبِينَ بِالسَّيْفِ الْهَابِطِينَ إِلَى حِجَارَةِ الْجُبِّ. كَجُثَّةٍ مَدُوسَةٍ. 20لاَ تَتَّحِدُ بِهِمْ فِي الْقَبْرِ لأَنَّكَ أَخْرَبْتَ أَرْضَكَ قَتَلْتَ شَعْبَكَ. لاَ يُسَمَّى إِلَى الأَبَدِ نَسْلُ فَاعِلِي الشَّرِّ.
( عــــد 12) :
12كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ بِنْتَ الصُّبْحِ؟
هنا يشير اشعياء إلى كبرياء ملك بابل مقابلا إياه بابليس الذي سقط من السماء بسبب هذه الخطية و يلقبه " زهرة بنت الصبح " أو الكوكب الساطع اللامع
( لوسيفورس) و من المعروف أن إبليس و طغمته كانوا أولا مثل الكوكب الصبح ( أي 38 : 7) و قد سقطوا من الأعالي و قد قال القديس بطرس الرسول " لأنه إن كان لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم و سلمهم محروسين للقضاء ( 2بط 2: 4) و قال الرسول يهوذا " و الملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام " ( يه 6) و قد أثار سقوط إبليس تساؤلا هاما حول أصل الشر و كيفية دخوله إلى العالم و أخذ أتباع زراشت و الغنوسيون و المانويون بمذهب الثنائية معتقدين بأزلية الخير و الشر و نحن نرفض هذا الرأي تماما و يمكننا القول بأن الخليقة كان لها أصلا القدرة على أن تخطئ أو لا تخطئ متمتعة بالحرية الكاملة و الإرادة الذاتية و كان سقوط الملائكة بسبب عصيانهم و تمردهم على الله بمحض إرادتهم ووراء هذا العصيان كانت الكبرياء و الطموح و هذه الصورة التي يعرضها اشعياء عن ملك بابل في سقوطه رمزا لسقوط إبليس و في حزقيال (ص 28) نجد صورة مشابهة لملك صور .
كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ
يشبه ملك بابل الذي كان قاهرا للأمم و الشعوب بشجرة قطعت إلى الأرض و اختفى و جودها ......
( عــــد 13 ):
13وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعــــد إِلَى السموات. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ
عاش ملك بابل أوهام و خيالات الكبرياء مثل إبليس تمام واضعا في قلبه أن يرفع بمستوى عظمته فوق الجميع و فوق كواكب الله ..
وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ
أثبتت الاكتشافات أن ملك بابل كان ينسب إلى نفسه بعض صفات الآلهة بالرغم من تكريمه و عبادته للآلهة مردوخ و بيل و نيلو و سين و شاماس و ساد الاعتقاد بوجود جبل شاهق للاله بيل تصل قمته إلى السماء و هو في الشمال و يجتمع علية الآلهة ..
( عــــد 14) :
. 14أَصْعــــد فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ.
كان طموح إبليس أن يصير مثل الله - و بهذا الفكر أغرى حواء و بنفس التشامخ يتكلم ملك بابل ...
( عــــد 15) :
15لَكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ.
في لحظه واحدة أنحدر ذلك الطاغية الجبار إلى الهاوية إلى أعماقها السحيقة...
( عــــد 16، 17)
16اَلَّذِينَ يَرُونَكَ يَتَطَلَّعُونَ إِلَيْكَ. يَتَأَمَّلُونَ فِيكَ. أَهَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي زَلْزَلَ الأَرْضَ وَزَعْزَعَ الْمَمَالِكَ 17الَّذِي جَعَلَ الْعَالَمَ كَقَفْرٍ وَهَدَمَ مُدُنَهُ الَّذِي لَمْ يُطْلِقْ أَسْرَاهُ إِلَى بُيُوتِهِمْ؟
يشمت به اللذين يرونه في سقوطه مذكرين إياه بجرائمه السابقة :
1_ فهو قد زلزل الأرض و أحدث لها إضطرابا بغزواته و اعتداءاته .
2_ و هدم البيوت و دمر المدن و جعلها قفرا بلا عمران .
3_ أذل الأسرى و أبقى عليهم في قبضة يده و لم يسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم
( عــــد 18) :
18كُلُّ مُلُوكِ الأُمَمِ بِأَجْمَعِهِمِ اضْطَجَعُوا بِالْكَرَامَةِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتِهِ.
أي أن كل الملوك - عــــدا مك بابل - قد ماتوا و دفنوا بكرامة في قبورهم التي أعــــدوها و شيدوها لتكون بمثابة "بيوت" يستريحون فيها راحتهم الأخيرة .
( عــــد 19) :
19وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ طُرِحْتَ مِنْ قَبْرِكَ كَغُصْنٍ أَشْنَعَ. كَلِبَاسِ الْقَتْلَى الْمَضْرُوبِينَ بِالسَّيْفِ الْهَابِطِينَ إِلَى حِجَارَةِ الْجُبِّ. كَجُثَّةٍ مَدُوسَةٍ.
هنا يصف اشعياء موت الملك في خزي - و المرجح أن نبوة هذا الهجاء قد انطبقت على بيلشاصر الذي قتل عندما استولى كورش الملك على بابل في الليلة التالية للوليمة التي أقامها بيلشاصر و استعمل فيها آنية الهيكل لشرب الخمر.
و هكذا قتل بيلشاصر ملك بابل و لم تلق جثته أية عناية أو اهتمام من أحد وسط ارتباك و انزعاج المعركة .. فطرحت بعيدا عن قبرها كغصن مكسور تغطيه رمم قتلى المعارك المضروبين بالسيف الذين انحدروا إلى مقر الموتى و صار الملك كجثة مدوسة تحت حوافر الخيل .
( عــــد 20 ) :
20لاَ تَتَّحِدُ بِهِمْ فِي الْقَبْرِ لأَنَّكَ أَخْرَبْتَ أَرْضَكَ قَتَلْتَ شَعْبَكَ
لن توضع جثة بيلشاصر في مقبرة ملوك الكلدان الذين سبقوه لأنه كان قد أساء إلى شعبه و أخرب أرضه بعــــدم حكمته فى حكم بلاده إذ أنه استغل و أنفق ما حصل عليه من غنائم في إشباع ملذاته الشخصية و شهواته الخاصة.
لاَ يُسَمَّى إِلَى الأَبَدِ نَسْلُ فَاعِلِي الشَّرِّ.
أي أن الملوك الأشرار ينقطع نسلهم و لا يرث لهم من ذريتهم عرشا أو ملكا ..
رابعا : هلاك بابل و تحطيم أشور و عقاب فلسطين ( عــــد 21_ 32)
يشتمل هذا القسم على :
1_ الهلاك التام لبابل ( عــــد 21 _ 23)
2_ تحطيم قوة أشور ( عــــد 24 _ 27)
3_ نبوة عن عقاب يقع على فلسطين ( عــــد 28_ 32)
1_ الهلاك التام لبابل ( عــــد 21_ 23)
21هَيِّئُوا لِبَنِيهِ قَتْلاً بِإِثْمِ آبَائِهِمْ فَلاَ يَقُومُوا وَلاَ يَرِثُوا الأَرْضَ وَلاَ يَمْلَأُوا وَجْهَ الْعَالَمِ مُدُناً. 22فَأَقُومُ عَلَيْهِمْ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ وَأَقْطَعُ مِنْ بَابِلَ اسْماً وَبَقِيَّةً وَنَسْلاً وَذُرِّيَّةً يَقُولُ الرَّبُّ. 23وَأَجْعَلُهَا مِيرَاثاً لِلْقُنْفُذِ وَآجَامَ مِيَاهٍ وَأُكَنِّسُهَا بِمِكْنَسَةِ الْهَلاَكِ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ».
يتضمن ( عــــد 21 _22 ) نبوة بالقضاء على نسل بابل الملكي على يد غزاتها الذين كانوا في طريقهم إلى سحقها و قتل الملك و جميع بنيه حاملي إثم آبائهم و بأبادتهم لا يعود لهم تسلط على العالم و لا وجود لكي يرثوا الأرض أو يقيموا مدنا فينقطع أسم بابل و لا تعود إلى سابق شهرتها و لا تقوم فيها بقية و لا نسل و لا ذرية ( أنظر أرميا 51 : 62) و تصير بابل " ميراثا للقنفذ و آجام مياه" أي تسكنها حيوانات القفر و تنتشر بها البرك و المستنقعات و يكنسها الرب بمكنسة الهلاك - أى أن هلاكها يمحو وجودها تماما ....
2_ تحطيم قوة أشور ( عــــد 24_ 27)
24قَدْ حَلَفَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: «إِنَّهُ كَمَا قَصَدْتُ يَصِيرُ وَكَمَا نَوَيْتُ يَثْبُتُ: 25أَنْ أُحَطِّمَ أَشُّورَ فِي أَرْضِي وَأَدُوسَهُ عَلَى جِبَالِي فَيَزُولَ عَنْهُمْ نِيرُهُ وَيَزُولَ عَنْ كَتِفِهِمْ حِمْلُهُ». 26هَذَا هُوَ القَضَاءُ الْمَقْضِيُّ بِهِ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَهَذِهِ هِيَ الْيَدُ الْمَمْدُودَةُ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. 27فَإِنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ قَضَى فَمَنْ يُبَطِّلُ؟ وَيَدُهُ هِيَ الْمَمْدُودَةُ فَمَنْ يَرُدُّهَا؟
(عــــد 24 ) :
24قَدْ حَلَفَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: «إِنَّهُ كَمَا قَصَدْتُ يَصِيرُ وَكَمَا نَوَيْتُ يَثْبُتُ
في هذه النبوة يعلن الرب عزمه على تحطيم أشور مؤكدا ذلك بقَسم و قد جاء أيضا في هذا السفر ( في 45 : 23 , 62: 8) تأكيد الرب لكلامه بقسم ( أنظر عب 6: 17, 18 ) و لا شك أن الله يقصد بالقسم توطيد ثقة شعبه في إتمام الرب لكلامه فهو الذي يقصد و لا بد أن يصير ينوي و لابد أن يثبت كما ينوي : ليس الله إنسانا فيكذب و لا ابن إنسان فيندم . هل يقول و لا يفعل . أو يتكلم و لا يفي " ( عد 23 : 19 ) .
( عــــد 25) :
25أَنْ أُحَطِّمَ أَشُّورَ فِي أَرْضِي وَأَدُوسَهُ عَلَى جِبَالِي
عاد اشعياء من رؤية المستقبل البعيد ( و هو الخلاص من خطر بابل ) إلى رؤية المستقبل القريب ( و هو الخلاص من خطر أشور ) - و في وقت إعلان هذة النبوة كانت تهديدات أشور قائمة تدق أجراسها بعــــد غزو السامرة و كان اشعياء قد أعلن عن تدخل الله لنجاة شعبه من الخطر الأشوري أكثر من مرة ( ص10 : 16_ 19, 25_27, 33, 34)و ربما عاد إلى ذلك ليكون تحقيق هذه النبوة القريبة تثبيتا لإيمان شعبه بتحقيق النبوة البعيدة .
أما عن تحقيق النبوة بتحطيم أشور على جبال يهوذا و في أرضه فالأرجح أنه قد تم مع جيش سرجون أو جيش سنحاريب الذي قتل منه ملاك الرب 185000 في ليلة واحدة ( أش ص37) .
فَيَزُولَ عَنْهُمْ نِيرُهُ وَيَزُولَ عَنْ كَتِفِهِمْ حِمْلُهُ
لقد أزاح حزقيا عن شعبه النير الذي و ضعه تغلث فلاسر ملك أشور على آحاز ملك يهوذا الذي أستنجد به و صار له عبدا و أعطاه الفضة و الذهب الموجودة في بيت الرب و في خزائن بيت الملك ( 2 مل 16: 7_ 10) و تمكن حزقيا من عــــدم الخضوع لملك أشور ( 2 مل 18: 7) و هكذا تمت هذه النبوة .
( عــــد 26 , 27)
26هَذَا هُوَ القَضَاءُ الْمَقْضِيُّ بِهِ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ وَهَذِهِ هِيَ الْيَدُ الْمَمْدُودَةُ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. 27فَإِنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ قَضَى فَمَنْ يُبَطِّلُ؟ وَيَدُهُ هِيَ الْمَمْدُودَةُ فَمَنْ يَرُدُّهَا؟
أي أن هذا القضاء الالهي المعلن على أشور يمثل جانبا من قضاء الله و حكمه على كل الأمم و كل قوى العالم المضادة لمشيئته التي يكون لها نفس المصير الذي لأشور فإن الرب إذا قضى فمن يبطل قضاؤهه و من يستطيع أن يرد يده الممدودة!
ملحوظة :
أن قضاء الله على الأمم أو الأفراد لا يدخل في نطاقه عمل الخير أو الشر الذي يفعله الإنسان بكامل حريته و إرادته و الذي عليه يتوقف مصيره الأبدي و إنما المقصود هنا ( بقضاء الله) هو من جهة الأمور الزمنية فقط .
2_ نبوة بعقاب على فلسطين ( عــــد 28_ 32)
28فِي سَنَةِ وَفَاةِ الْمَلِكِ آحَازَ كَانَ هَذَا الْوَحْيُ: 29«لاَ تَفْرَحِي يَا جَمِيعَ فِلِسْطِينَ لأَنَّ الْقَضِيبَ الضَّارِبَكِ انْكَسَرَ. فَإِنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْحَيَّةِ يَخْرُجُ أُفْعُوانٌ وَثَمَرَتُهُ تَكُونُ ثُعْبَاناً مُسِمّاً طَيَّاراً. 30وَتَرْعَى أَبْكَارُ الْمَسَاكِينِ وَيَرْبُضُ الْبَائِسُونَ بِالأَمَانِ وَأُمِيتُ أَصْلَكِ بِالْجُوعِ فَيَقْتُلُ بَقِيَّتَكِ. 31وَلْوِلْ أَيُّهَا الْبَابُ. اصْرُخِي أَيَّتُهَا الْمَدِينَةُ. قَدْ ذَابَ جَمِيعُكِ يَا فِلِسْطِينُ. لأَنَّهُ مِنَ الشِّمَالِ يَأْتِي دُخَانٌ وَلَيْسَ شَاذٌّ فِي جُيُوشِهِ. 32فَبِمَاذَا يُجَابُ رُسُلُ الأُمَمِ؟ إِنَّ الرَّبَّ أَسَّسَ صِهْيَوْنَ وَبِهَا يَحْتَمِي بَائِسُو شَعْبِهِ».
تمهيد تاريخي :
كان عزيا ملك يهود قد تغلب على الفلسطينيين ( 2 أيام 16: 6) و لكنهم استرجعوا قوتهم في عهد أحاز ( 2 أيام 28: 18) ثم غزا تغلث فلاسر مدنهم و فرض عليهم الجزية و لكنه مات قبل موت آحاز بقليل و هنا يتنبأ أشعياء بأن خلفاء تغلث فلاسر لن يكونوا أفضل منه و أنهم سوف يسببون خرابا لفلسطين .
( عــــد 28) :
28فِي سَنَةِ وَفَاةِ الْمَلِكِ آحَازَ كَانَ هَذَا الْوَحْيُ
وضع هذا الوحي هنا في غير مكانه التاريخي لأنه سبق ما جاء في القسم السابق ( ص 10 – 14 : 27 ) الذي يتصل بحكم حزقيا .
( عــــد 29) :
29«لاَ تَفْرَحِي يَا جَمِيعَ فِلِسْطِينَ لأَنَّ الْقَضِيبَ الضَّارِبَكِ انْكَسَرَ. فَإِنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْحَيَّةِ يَخْرُجُ أُفْعُوانٌ وَثَمَرَتُهُ تَكُونُ ثُعْبَاناً مُسِمّاً طَيَّاراً
يحذر اشعياء فلسطين من الفرح بموت تغلث فلاسر " فإن من أصل الحية يخرج افعوان و ثمرته تكون ثعبانا مسمآ طيارا " _ أي أن خلفاء ذلك الملك سيكونون عليهم أشد قساوة و قد تم ذلك فعلا إذ جاء بعــــده شلمناصر و سرجون و سنحاريب و في عهد الملكين الأخيرين أخذت أشدود و أشقلون و عقرون و غزة
( عــــد 30 ) :
30وَتَرْعَى أَبْكَارُ الْمَسَاكِينِ وَيَرْبُضُ الْبَائِسُونَ بِالأَمَانِ وَأُمِيتُ أَصْلَكِ بِالْجُوعِ فَيَقْتُلُ بَقِيَّتَكِ
يعلن اشعياء عن حدوث مجاعة بفلسطين تميت أصلها بينما يرعى فقراء و مساكين يهوذا بالأمان .
( عــــد 31 , 32) :
" وَلْوِلْ أَيُّهَا الْبَابُ..... لأَنَّهُ مِنَ الشِّمَالِ يَأْتِي دُخَانٌ ..... فَبِمَاذَا يُجَابُ .."
هنا وصف لقدوم جيوش جرارة من أرض أشورليس فيها شاذ ( ضعيف) و يكون الرد على رسل الأمم ( الفلسطينيين) إذا طلبوا المساعــــدة " أن الرب قد أسس صهيون..."
الإصحاح الخامس عشر
في هذا الإصحاح و الإصحاح التالي يتنبأ اشعياء النبي عن خراب موآب .
لمحة تاريخية عن موآب :-
ينتسب الموآبيون إلى موآب ابن ابنة لوط من أبيها ( تك 19: 37) و كانت بلادهم تمتد شرق النصف الجنوبي من البحر الميت . و كان الموآبييون يعبــدون الههم " كموش " أما علاقتهم ببني إسرائيل فكان يتخللها الكثير من الحوادث العــــدائية بينما سادتها روح المسالمة أحيانا :
_ فعندما كان بنوا إسرائيل في طريقهم إلى كنعان أستدعى بالاق ملك موآب بلعام بن بعور من فتور ليعلن شعب الله ( عــــد 22: 4_ 5) .
_ و في أيام القضاة أخضع الموآبيون بني إسرائيل حتى قتل أهود بن جيرا عجلون ملك موآب ( قض 3: 12_ 30)
_ و في أيام القضاة أيضا تغربت نعمى في بلاد موآب بسبب المجاعة قي يهوذا و رجعت و معها كنتها راعوث الموآبية التي صارت جدة لداود ( سفر راعوث )
_ و عندما كان داود مطاردا من شاول أودع أباه و أمه عند ملك موآب و بقيا طوال مدة أقامة داود في الحصن ( 1صم 22: 3_ 4)
_ و لما صار داود ملكا ضرب موآب ضربة شديدة و أذل الموآبيين ( 2 صم 8: 2)
_ في (2ملوك ص 3 ) تفاصيل الحرب مع " ميشع " ملك موآب و قد جاءت مطابقة تماما لما نقش على الحجر الموآبي الذي أكتشف سنة 1868 م في مدينة ديبان (أو ديبون ) - و هو حجر أسود من البازلت طوله 3 قدم , 8.5 بوصه و عرضة 2 قدم و 2.5 بوصه و قد كتبت عليه كتابه في 34 سطراً باللغة الموآبية المشابهة للعبرية القديمة و الفينيقية و هو محفوظ في متحف اللوفر بباريس .
و الصورة عن كتاب :
“ Archaeology and The Old Testament “
1 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مُوآبَ: «إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ عَارُ مُوآبَ وَهَلَكَتْ. إِنَّهُ فِي لَيْلَةٍ خَرِبَتْ قِيرُ مُوآبَ وَهَلَكَتْ. 2إِلَى الْبَيْتِ وَدِيبُونَ يَصْعـدونَ إِلَى الْمُرْتَفَعَاتِ لِلْبُكَاءِ. تُوَلْوِلُ مُوآبُ عَلَى نَبُو وَعَلَى مَيْدِبَا. فِي كُلِّ رَأْسٍ مِنْهَا قَرْعَةٌ. كُلُّ لِحْيَةٍ مَجْزُوزَةٌ. 3فِي أَزِقَّتِهَا يَأْتَزِرُونَ بِمِسْحٍ. عَلَى سُطُوحِهَا وَفِي سَاحَاتِهَا يُوَلْوِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا سَيَّالاً بِالْبُكَاءِ. 4وَتَصْرُخُ حَشْبُونُ وَأَلْعَالَةُ. يُسْمَعُ صَوْتُهُمَا إِلَى يَاهَصَ. لِذَلِكَ يَصْرُخُ مُتَسَلِّحُو مُوآبَ. نَفْسُهَا تَرْتَعــــد فِيهَا. 5يَصْرُخُ قَلْبِي مِنْ أَجْلِ مُوآبَ. الْهَارِبِينَ مِنْهَا إِلَى صُوغَرَ كَعِجْلَةٍ ثُلاَثِيَّةٍ لأَنَّهُمْ يَصْعــــدونَ فِي «عَقَبَةِ اللُّوحِيثِ» بِالْبُكَاءِ لأَنَّهُمْ فِي طَرِيقِ حُورُونَايِمَ يَرْفَعُونَ صُرَاخَ الاِنْكِسَارِ. 6لأَنَّ مِيَاهَ نِمْرِيمَ تَصِيرُ خَرِبَةً. لأَنَّ الْعُشْبَ يَبِسَ. الْكَلَأُ فَنِيَ. الْخُضْرَةُ لاَ تُوجَدُ. 7لِذَلِكَ الثَّرْوَةُ الَّتِي اكْتَسَبُوهَا وَذَخَائِرُهُمْ يَحْمِلُونَهَا إِلَى عَبْرِ وَادِي الصَّفْصَافِ. 8لأَنَّ الصُّرَاخَ قَدْ أَحَاطَ بِتُخُومِ مُوآبَ. إِلَى أَجْلاَيِمَ وَلْوَلَتُهَا. وَإِلَى بِئْرِ إِيلِيمَ وَلْوَلَتُهَا. 9لأَنَّ مِيَاهَ دِيمُونَ تَمْتَلِئُ دَماً لأَنِّي أَجْعَلُ عَلَى دِيمُونَ زَوَائِدَ. عَلَى النَّاجِينَ مِنْ مُوآبَ أَسَداً وَعَلَى بَقِيَّةِ الأَرْضِ».
في هذا الإصحاح يصور اشعياء ما سيحل بمدن موآب من دمار و قد ذكر حزقيال ( ص 25: 8 - 11) أن عقاب موآب يرجع إلى احتقار الموآبيين لله
و افتخارهم على أورشليم عند سقوطها .
وإذ يذكر اشعياء أسماء بلاد كثيرة يشملها الخراب يصور ما يصاحب ذلك من بلايا و ما يصدر عن شعبها من بكاء وولولة و ذلك كالآتي :
( عــــد 1) : تخرب "عار" عاصمة موآب في ليلة كما تخرب "قير" و هي كرك الحالية و على نحو سبعة أميال جنوبي " عار "
( عــــد 2) : فيصعــــد الموآبييون إلى " البيت " أي بيت الههم كموش و إلى " ديبون" _ و هي الآن ديبان حيث اكتشف الحجر الموآبي _ و هناك يبكون كما يصعــــدون إلى المرتفعات للبكاء مولولين على مدنهم مثل " نبو " و " ميدبا " وهم في حزن كحزن الحداد معبرين عنه بحلق شعر الرأس و اللحية الذي يعبر أيضا عن ذل العبيد .
( عــــد 3) :كما يظهر حزنهم بارتداء المسوح و هم يسيرون في أزقتها و على سطوحها و في ساحاتها يولول الجميع و هم يفيضــــون بالبكاء .
( عــــد 4) : ترتفع أصوات البكاء حتى أن صراخ مدينتي حشبون ( حسبان الآن ) و العالة ( العال الآن ) يسمع في ياهص التي تبعــــد حوال 10 أو 12 ميلا جنوب حشبون لذلك يصرخ جيش موآب و يرتعــــد قلبها في داخلها .
(عــــد 5 ) : هنا يشعر اشعياء بمرارة الحزن و الألم على موآب و على شعبها فلا شماتة و لا مشاعر انتقامية تلعب دورها في نفس اشعياء بل بروح المشاركة و الاشتياق إلى رجوعهم عن عــــداوتهم و حصولهم على بركات الخلاص يرثى هلاكها و هو يتصور أمامه الهاربين منها إلى مدينة ( صوغر ) - و هي على مقربة من شاطئ البحر الميت و يشبه اشعياء الهاربين بعجلة عمرها ثلاث سنوات و هي تركض بقوة و دون أن تتروض ....
( عــــد 6 ) : تجف مياه نمريم _ و هي ينابيع في وادي نميرة في الساحل الجنوبي الشرقي للبحر الميت _ لأن أعــــداء موآب يطمون تلك العيون و ييبس العشب و يفنى الكلأ و تختفي الخضرة .
( عــــد 7) : تنهب ثروات موآب التي سبق ادخارها و تحمل نفائسها إلى عبر وادي الصفصاف _ على تخم موآب الجنوبي
( عــــد 8) : يعم الصراخ حول تخوم موآب بتصل إلى " أجلايم " إلى بئر إيليم و لولتها ..
( عــــد 9) : تتحول مياه " ديمون" إلى دم بسبب كثرة دماء القتلى في تلك الظروف الطاحنة .. و يجعل الرب " ديمون" زوائد أي يزيد عليها و يلاتها و ضرباتها.. كما يجعل الرب على الناجين من موآب أسدا أي مخربا قويا يتصف بالقوة التى ترعب و تفزع الهاربين .. و ربما كان المقصود به هو نبوخذنصر الذي قال عنه يوسيفوس أنه هزم الموآبيين أو أشوربانيبال الذي إكتسح موآب حوالي سنة 645 ق.م .
الإصحاح السادس عشر
في هذا الإصحاح يواصل النبي اشعياء حديثه عن موآب مقدما لها نصيحة بالعودة إلى تقديم جزيتها ليهوذا و لكن موآب في كبريائها ترفض هذه المشورة فتتعرض للخراب و تحصد ثمار نادها و رفضها للنصيحة
و يمكن تقسيم هذا الإصحاح إلى ثلاثة أقسام :
1_ المشورة و رفض موآب لها ( عــــد 1_ 6)
2_ إنذارات خرابها و ويلاتها ( عــــد 7 _ 12)
3_ تحديد زمان حرابها ( عــــد 13_ 14)
أولا : المشورة و رفض موآب لها ( عــــد 1- 6)
1أَرْسِلُوا خِرْفَانَ حَاكِمِ الأَرْضِ مِنْ سَالَعَ نَحْوَ الْبَرِّيَّةِ إِلَى جَبَلِ ابْنَةِ صِهْيَوْنَ. 2وَيَحْدُثُ أَنَّهُ كَطَائِرٍ تَائِهٍ كَفِرَاخٍ مُنَفَّرَةٍ تَكُونُ بَنَاتُ مُوآبَ فِي مَعَابِرِ أَرْنُونَ. 3هَاتِي مَشُورَةً. اصْنَعِي إِنْصَافاً. اجْعَلِي ظِلَّكِ كَاللَّيْلِ فِي وَسَطِ الظَّهِيرَةِ. اسْتُرِي الْمَطْرُودِينَ. لاَ تُظْهِرِي الْهَارِبِينَ. 4لِيَتَغَرَّبْ عِنْدَكِ مَطْرُودُو مُوآبَ. كُونِي سِتْراً لَهُمْ مِنْ وَجْهِ الْمُخَرِّبِ لأَنَّ الظَّالِمَ يَبِيدُ وَيَنْتَهِي الْخَرَابُ وَيَفْنَى عَنِ الأَرْضِ الدَّائِسُونَ. 5فَيُثَبَّتُ الْكُرْسِيُّ بِالرَّحْمَةِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالأَمَانَةِ فِي خَيْمَةِ دَاوُدَ قَاضٍ وَيَطْلُبُ الْحَقَّ وَيُبَادِرُ بِالْعــــدلِ. 6قَدْ سَمِعْنَا بِكِبْرِيَاءِ مُوآبَ الْمُتَكَبِّرَةِ جِدّاً عَظَمَتِهَا وَكِبْرِيَائِهَا وَصَلَفِهَا بُطْلِ افْتِخَارِهَا
+ في ( عــــد 1) :
يعرض اشعياء على موآب مشورته أن تعود إلى إرسال " خرفان" حاكم الأرض _ إي الجزية التي كانت موأب تقدمها من الحملان و كان ميشع ملك موأب قد أدى لملك إسرائيل مئة ألف خروف و مئة ألف كبش بصوفها ( 2مل 3: 4) _ ثم تمردت و أوقفت إرسال هذه التجربة و هنا يشير اشعياء على موآب أن تعطي الجزية لحاكم الأرض _ أي ملك يهوذا عن طريق سالع ( عاصمة أدوم ) نحو البرية ( غربا ) إلى جبل الرب في صهيون.
+ و في ( عــــد 2)
يشير النبي إلى ما سيحدث لبنات موآب إي شعبها إذ يصيرون تائهين كالطيور و الفراخ المنفرة ( الشاردة ) على ضفاف نهر أرنون ( أخر حدود بلاد موآب ) و لذلك يرى اشعياء أنه ينبغي على الموآبيين تأدية الجزية ليهوذا لكي يجدوا فيها حماية و ملاذا لهم ..
+ أما ( عــــد 3, 4)
فهما يتضمنان كما يرى معظم المفسرين كلاما على لسان موآب تلتمس فيه من يهوذا المشورة و المعونة و ستر المطرودين الهاربين بأن تجعل عليهم ظلا في الظهيرة كالليل فيختفي الهاربون عن عيون مطارديهم كما تلتمس السماح لهم بابوائهم كفرباء و حمايتهم من و جه المخرب ( ملك أشور) و ذلك بصفة مؤقتة حتى يباد
+ و في ( عــــد 5)
إشارة صريحة إلى المسيح الذي يثبت كرسيه بالرحمة و يجلس عليه بالأمانة في خيمة داود و يحكم كقاض يطلب الحق و يبادر بالعــــدل .
+و في ( عــــد 6 )
نرى موآب في كبريائها و صلفها ترفض المشورة في إفتخار باطل .
ثانيا : إنذارات خرابها و ويلاتها ( عــــد 7_ 12) :
7لِذَلِكَ تُوَلْوِلُ مُوآبُ. عَلَى مُوآبَ كُلُّهَا يُوَلْوِلُ. تَئِنُّونَ عَلَى أُسُسِ قِيرَ حَارِسَةَ. إِنَّمَا هِيَ مَضْرُوبَةٌ. 8لأَنَّ حُقُولَ حَشْبُونَ ذَبُلَتْ. كَرْمَةُ سَبْمَةَ كَسَّرَ أُمَرَاءُ الأُمَمِ أَفْضَلَهَا. وَصَلَتْ إِلَى يَعْزِيرَ. تَاهَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ. امْتَدَّتْ أَغْصَانُهَا. عَبَرَتِ الْبَحْرَ. 9لِذَلِكَ أَبْكِي بُكَاءَ يَعْزِيرَ عَلَى كَرْمَةِ سَبْمَةَ. أُرْوِيكُمَا بِدُمُوعِي يَا حَشْبُونُ وَأَلْعَالَةُ. لأَنَّهُ عَلَى قِطَافِكِ وَعَلَى حَصَادِكِ قَدْ وَقَعَتْ جَلَبَةٌ 10وَانْتُزِعَ الْفَرَحُ وَالاِبْتِهَاجُ مِنَ الْبُسْتَانِ وَلاَ يُغَنَّى فِي الْكُرُومِ وَلاَ يُتَرَنَّمُ وَلاَ يَدُوسُ دَائِسٌ خَمْراً فِي الْمَعَاصِرِ. أَبْطَلْتُ الْهُتَافَ. 11لِذَلِكَ تَرِنُّ أَحْشَائِي كَعُودٍ مِنْ أَجْلِ مُوآبَ وَبَطْنِي مِنْ أَجْلِ قِيرَ حَارِسَ. 12وَيَكُونُ إِذَا ظَهَرَتْ إِذَا تَعِبَتْ مُوآبُ عَلَى الْمُرْتَفَعَةِ وَدَخَلَتْ إِلَى مَقْدِسِهَا تُصَلِّي أَنَّهَا لاَ تَفُوزُ
+ ( عــــد 7) :
تولول موآب على موآب _ أي يولول جميع الموآبيين على بلادهم و يئنون على دمار " قيرحارسة " أكبر مدنهم و أعظمها
+ ( عــــد 8) :
تصبح حقول " حشبون " ذابلة و يتلف أمراء الأمم أفضل كروم " سبمة " التى كانت فيما مضى تمتد إلى " يعزيز " على مسافة 15 ميلآ نحو الشمال و تنتشر بأغصانها فى البرية الى غربى البحر الميت .
+ ( عــــد 9 ) :
هنا يكشف أشعياء عن آلام مشاعرة فيبكى على ويلات " يعزيز " و على كروم " سبمة " - و يذرف الدموع الغزيرة على " حشبون " و على "العالة " إذ تتحول أصوات الفرح و الابتهاج بالحصاد إلى جلبة _ أي صوت القتال و أعمال السلب و النهب .
+ ( عــــد 10) :
تنتزع الأفراح من البساتين و يبطل الغناء في الكروم و يختفي الترنم و الهتاف و يتوقف دوس الخمر في المعاصر .
+ ( عــــد 11 ) :
تهتز أحشاء اشعياء كأوتار العود فتعطي أنغام الحزن بدلا من العزف عليها بالفرح .
+ ( عــــد 12 ) :
يلجأ الموآبيون إلى الههم " كموش " على المرتفعات و يقدمون صلواتهم حتى يعتريهم التعب لتكرارها و لكن هذه الصلوات لا تفوز و لا تستجاب .
ثالثاً :تحديد زمان خرابها ( عــــد 13_ 14 )
13هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ مُوآبَ مُنْذُ زَمَانٍ. 14وَالآنَ تَكَلَّمَ الرَّبُّ قَائِلاً: «فِي ثَلاَثِ سِنِينٍَ كَسِنِي الأَجِيرِ يُهَانُ مَجْدُ مُوآبَ بِكُلِّ الْجُمْهُورِ الْعَظِيمِ وَتَكُونُ الْبَقِيَّةُ قَلِيلَةً صَغِيرَةً لاَ كَبِيرَةً».
+ ( عــــد 13 ) :
كان الرب قد سبق و تكلم على موآب في أزمنة سابقة و منذ أيام موسى جاءت كلمة الرب ضد موآب ( عــــد 14 :17 )و ما جاء هنا على لسان اشعياء هو خاتمة تلك الإنذارات فليس لموآب عذر لتبرير عــــدم طاعتها .
+ ( عــــد 14 ) :
يضيف النبي هنا تحديدا لموعــــد تحقيق هذه النبوة و هو ثلاث سنين منذ إعلانها و يشبه هذه السنين بسنى الأجير و ذلك من جهة دقتها فالأجير يعمل بقدر أيام أجرته بلا زيادة أو إضافة من جانبه و بلا نقص من جانب مستأجرة .
و قد تمت هذه النبوة بكل دقائقها منذ أكثر من 2500 سنة ، ولا زالت آثارها باقية تشهد بذلك ، و تختتم هذه النبوة بأن مجد موآب يذل و يحتقر جمهورها العظيم إلا أن بقية قليلة و صغيرة تبقى و تظل تنتظر افتقاد مراحم الله و يكون لها نصيب في بركات النجاة و الخلاص .
تأملات عامة
(1) كما كانت النصيحة لموآب أن يأتي بالجزية ليهوذا علامة الخضوع هكذا هي المشورة الألهية للأمم أن تقدم خضوعها للمسيح الأسد الخارج من سبط يهوذا.
(2) و كما كان لمطرودي موآب أن يجدوا حمايتهم في يهوذا هكذا يجد جميع المنبوذين من العالم و المتعبين من ضغوطه و آلامه راحتهم و حمايتهم في المسيح .
(3) يُنسب كرسي المسح إلى " خيمة داود " إشارة إلى اتضاعه و لكنه يتميز بالأمانة و الحق و العــــدل .
الإصحاح السابع عشر
يتضمن هذا الإصحاح وحيا من جهة دمشق و إسرائيل .
لمحة تاريخية عن دمشق كما جاء عنها بالكتاب المقدس :
و هي من أقدم مدن العالم و يعود وجودها إلى ما قبل التاريخ _ وقد ذكرت لأول مرة في ( تك 14: 15) حينما حارب إبراهيم الملوك الذين سبوا لولما ابن أخيه و نُسب اليعازر الدمشقي كبير عبيد إبراهيم إليها و عُرفت كعاصمة لمملكة أرام
أما عن الحوادث التى وقعت في العهد القديم بينها و بين يهوذا و إسرائيل فهي:
(1) ضرب داود من رجال أرام 000/22 حينما حاولت أرام مساعــــدة هدد عزر ملك صوبة ضد داود ( 2 صم 8: 5) .
(2) طلب أسا ملك يهوذا من بنهد ملك أرام ( سنة 900 _ 860 ق.م ) مساعــــدته ضد بعشا ملك إسرائيل و قدم له فضة و ذهبا من خزائن بيت الرب .
(3) حارب أخاب ملك إسرائيل الاراميين و قتل منهم 000/100 راجل في يوم واحد ( 2مل 20: 29) .
(4) و في برية دمشق قام إيليا بناءً على أمر الرب بمسح حزائيل ملكا على أرام ( 1مل 19: 15) .
(5) و قد جاء نعمان السرياني رئيس جيش ملك أرام إلى إليشع يطلب منه الشفاء من برصه و تم له ذلك ( 2 مل ص 5) .
(6) و أرسل ملك أرام جيشا و خيلا و مركبات للقبض على إليشع الذي ضربهم بالعمى و قادهم إلى السامرة حيث فتح الرب عيونهم و أمر إليشع بتقديم الطعام و الشراب لهم ثم أطلقهم ( 2 مل ص 6)
(7) في سنة 734 ق.م و في أيام اشعياء تحالف رصين ملك دمشق مع فقح ملك إسرائيل ضد أحاز ملك يهوذا فاستنجد هذا الأخير بتغلث فلاسر ملك أشور الذي جاء إلى دمشق و إستولى عليها سنة 432 ق.م و قتل ملكها و سبي شعبها إلى قير ( 2 مل ص 16) و قد استدعى ملك أشور أحاز ملك يهوذا ليدفع له الجزية مقابل إنقاذه من ملكي دمشق و إسرائيل و في دمشق رأى أحاز مذبحا ( وثنيا ) فأمر أوريا الكاهن أن يصنع مثله في أورشليم و إقامة في بيت الرب و أوقد عليه أحاز ذبائح ( 2 مل 16: 10_ 16) و كان هذا البداية لدخول آلهة دمشق الوثنية في بيت الرب ( 2أيام 28 : 23) و استكمالا لتاريخ دمشق القديم خارجا عن أسفار الكتاب المقدس فمن المعروف أنها انتقلت من الأشوريين إلى الكلدانيين ثم إلى الفرس بعــــدهم إلى اليونانيين و في عهد السلوقيين فقدت مركزها كعاصمة و كمركز تجاري بعــــد بناء إنطاكية ثم صارت دمشق مدينة رومانية سنة 63 ق.م و ظلت حتى سنة 33 م أما في العهد الجديد فإننا نلتقي بمدينة دمشق في سفر أعمال الرسل حينما كان شاول الطرسوسي متوجها إليها و عند مشارفها ظهر الرب و فيها إعتمد على يد حنانيا و لما صار يكرز باسم المسيح تعرض لخطر من اليهود فيها فأنزله المؤمنون من أعلى أسوارها مدلين اياه في سل ( 1ع ص 5) و كان ذلك في أيام حكم والي الحارث الملك ( 2 كو 11 : 32_ 33 )
+++++++++++++++++
و يمكننا تقسيم هذا الإصحاح إلى ثلاثة أقسام :
(1) الوحي من جهة دمشق ( عــــد 1_ 2) .
(2) الوحي من جهة إسرائيل ( عــــد 4_ 11)
(3) هجوم جيوش الأعــــداء و هزيمتهم ( عــــد 12_ 14)
أولا : الوحي من جهة دمشق ( عــــد 1 - 3)
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَِشْقَ: «هُوَذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ الْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ. 2مُدُنُ عَرُوعِيرَ مَتْرُوكَةٌ. تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ فَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ. 3وَيَزُولُ الْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ وَبَقِيَّةِ أَرَامَ. فَتَصِيرُ كَمَجْدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ.
( عــــد 1) :
يتنبأ اشعياء بزوال دمشق من بين المدن و تحولها إلى رجمة ردم _ أى كومة من الأنقاض و قد سبق القول أن رصين أخر ملوكها اتفق مع فقح ملك إسرائيل ضد يهوذا و استنجد آحاز ملك يهوذا بتغليث فلاسر ملك أشور الذي تغلب على دمشق ففقدت مجدها و نقل مكانها إلى قير بعــــد أن قتل رصيم ملكها .
( عــــد 2 ) :
تصير مدن عروعير مهجورة - و معنى كلمة عروعير " خراب " و قد أطلق هذا الإسم هنا على أماكن كانت قريبة من دمشق ، فتتحول مدنها إلى مراع يخاف رعاتها ممن يطردهم لأن الأرض تكون مهجورة تمامآ .
( عــــد 3 ) :
تزول المدن الحصينة من افرايم ( إسرائيل) كما ينتهي الملك من دمشق و بقية مملكة أرام و قد تم ذلك بقتل رصين آخر ملوكها و يقول رب الجنود أن أرام تصبح مشابهة في زوال مجدها بزوال مجد بني إسرائيل .
******************************
تـــــــأمـــــــــــل
تحالفت دمشق مع أفرايم ( إسرائيل ) ضد يهوذا فأصاب الخراب دمشق و أفرايم معا و تحالفهما نرى صورة لتجمع قوى العالم ضد عمل الله الذي لابد أن يسحق كل قوة تعاند و تقاوم حقه الالهى.
ثانيا: الوحي من جهة إسرائيل ( عــــد 4 - 11)
4«وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ مَجْدَ يَعْقُوبَ يُذَلُّ وَسَمَانَةَ لَحْمِهِ تَهْزُلُ 5وَيَكُونُ كَجَمْعِ الْحَصَّادِينَ الزَّرْعَ وَذِرَاعُهُ تَحْصِدُ السَّنَابِلَ وَيَكُونُ كَمَنْ يَلْقُطُ سَنَابِلَ فِي وَادِي رَفَايِمَ. 6وَتَبْقَى فِيهِ خُصَاصَةٌ كَنَفْضِ زَيْتُونَةٍ حَبَّتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ فِي رَأْسِ الْفَرْعِ وَأَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ فِي أَفْنَانِ الْمُثْمِرَةِ يَقُولُ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ». 7فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَلْتَفِتُ الإِنْسَانُ إِلَى صَانِعِهِ وَتَنْظُرُ عَيْنَاهُ إِلَى قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 8وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَى الْمَذَابِحِ صَنْعَةِ يَدَيْهِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَى مَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُ: السَّوَارِيَ وَالشَّمْسَاتِ. 9فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَصِيرُ مُدُنُهُ الْحَصِينَةُ كَالرَّدْمِ فِي الْغَابِ وَالشَّوَامِخُ الَّتِي تَرَكُوهَا مِنْ وَجْهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَصَارَتْ خَرَاباً. 10لأَنَّكِ نَسِيتِ إِلَهَ خَلاَصِكِ وَلَمْ تَذْكُرِي صَخْرَةَ حِصْنِكِ لِذَلِكَ تَغْرِسِينَ أَغْرَاساً نَزِهَةً وَتَنْصِبِينَ نُصْبَةً غَرِيبَةً. 11يَوْمَ غَرْسِكِ تُسَيِّجِينَهَا وَفِي الصَّبَاحِ تَجْعَلِينَ زَرْعَكِ يُزْهِرُ. وَلَكِنْ يَهْرُبُ الْحَصِيدُ فِي يَوْمِ الضَّرْبَةِ الْمُهْلِكَةِ وَالْكآبَةِ الْعــــديمَةِ الرَّجَاءِ.
ينتقل اشعياء إلى التنبؤ بما سيقع على يعقوب _ أي مملكة الأسباط العشرة و لم يستخدم أسم إسرائيل الذي أعطاه الله ليعقوب إشارة إلى الأمتيازات الروحية الممنوحة له بل استخدم الأسم القديم الذي يحمل صفات المكر و الخداع و كل صفات الإنسان العتيق .
( عــــد 4 ) :
يُذَل مجد يعقوب إذ تتعرض بلاده للذل و الهوان و تهزل سمانة لحمه إي أنه يفقد خبراته و ثرواته و يتعرض الشعب للجوع و الفاقة .
( عــــد 5) :
تصبح أرضه جرداء مثل حقل جمع الحصاد زرعه أو حصدت راعه السنابل أو كرجل فقير يلتقط السنابل القليلة الباقية التي يلتقطها الفقراء وراء الحصادين في وادي رفايم ( و هو وادي معروف بخصوبته كان قريبا من أورشليم) .
( عــــد 6) :
في العــــدد السابق شبه اشعياء البقية الباقية من يعقوب بالسنابل القليلة في حقل جمع الحصادون زرعه و هنا يشبهه بالخصاصة ( ما يتبقى من العنب في الكرمة بعــــد القطاف كما إذا نفضت زيتونة فلا تبقى في رأس الغصن الأحبتان أو ثلاث و أربع حبات أو خمس في أفنان ( أغصان) الشجرة المثمرة ) هذا يقوله الرب إله إسرائيل .
( عــــد 7) :
هنا يتحدث النبي عن بعض التائبين الذين يرجعون إلى الله نتيجة التأديبات الذين يرجعون إلى الله نتيجة التأديبات فينظرون بعيونهم إلى الله قدوس إسرائيل .
( عــــد 8 ) :
لا يلتفتون إلى المذابح و الأصنام المصنوعة بالأيدي و لا إلى السواري و الشمسات ( مذابح يقدم عليها البخور أمام تماثيل إله الشمس ) ( أنظر
لاويين 26 : 30).
( عــــد 9 ) :
تصبح مدن إسرائيل الحصينة خربة كمدن الكنعانيين التي تركوها هروبا من الغزو العبراني فأصبحت كالردم في الغاب .
( عــــد 10 ) :
هنا يخاطب النبي بني إسرائيل كما يخاطب امرأة خانت زوجها ( أرميا ص 3 ) فقد نسيت إسرائيل الرب صخرها و إله خلاصها و لم تتذكره كصخرة حصينة بل غرست اغراسا للنزهة و نصبت نصبة غريبة منساقة وراء عبادة الأمم الوثنية .
(عــــد 11 ):
إن بني إسرائيل قد تعبوا تعبا باطلا فإنهم قد غرسوا و أقاموا سياجا ( سورا ) و جعلوا زرعهم في الصباح يزهر و لكن الضربة المهلكــــة ذهبت بالحصيد..
حقا... إنها ضربه مهلكة تسبب الكآبة و فقدان الرجاء ......
ثالثا : هجوم جيوش الأعــــداء و هزيمتهم ( عــــد 12 _ 14 ) :
12آهِ! ضَجِيجُ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ تَضِجُّ كَضَجِيجِ الْبَحْرِ وَهَدِيرِ قَبَائِلَ تَهْدِرُ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ. 13قَبَائِلُ تَهْدِرُ كَهَدِيرِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ. وَلَكِنَّهُ يَنْتَهِرُهَا فَتَهْرُبُ بَعِيداً وَتُطْرَدُ كَعُصَافَةِ الْجِبَالِ أَمَامَ الرِّيحِ وَكَالْجُلِّ أَمَامَ الزَّوْبَعَةِ. 14فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ إِذَا رُعْبٌ. قَبْلَ الصُّبْحِ لَيْسُوا هُمْ. هَذَا نَصِيبُ نَاهِبِينَا وَحَظُّ سَالِبِينَا.
تتضمن هذه الأعــــداء و صف قوة جيوش معادية و شعوب كثيرة قادمة للهجوم و هي تضمن كضجيج البحر و تهدر كهدير مياه كثيرة ... تعج عجيج الأمواج المتلاطمة.. و يكون هجوما رعبا و فزعا في السماء .... و لكن الرب ينتهر هذه الجيوش المعتدية فتهرب بعيدا و تطرد كعاصفة الجبال ( التبن الضعيف ) أمام الريح و كالجل ( الهباء أو نفاية الحيوان ) أمام الزوبعة .... و قبل أن يأتي الصباح يتلاشى و جودهم ...
تذكرنا هذه الأعــــداء بهجوم جيوش سنحاريب ملك الأشوريين حينما هجم على يهوذا , و حاصر أورشليم و كيف أهلك الرب منهم في ليلة واحدة
000/185... و يختم النبي كلماته هذه بقوله " هذا نصيب ناهبينا و حظ سالبينا "
تأملات و ملاحظات عامة
+ أن الله لا يترك نفسه بلا شهود أمناء و إن كانوا قلة ضئيلة مثل ثلاث أو أربع حبات من ثمار شجرة أو كرمة لكن هذه القلة تؤدي رسالتها بنجاح و تحتفظ بعلاقتها المتينة بالرب ...
+ مما يؤسف له حقا أن يتعب الإنسان تعبا باطلا و هذا ينتهي بصاحبة إلى الفشل و الضياع و لكنا كمؤمننين نشكر الله الذي يؤكد لنا أن تعبنا ليس باطلا في الرب ( 1 كو 15: 58)
+ أن إبليس في حربه ضدنا يأتينا بأعوانه بضجيج كضجيج البحر و يكون السماء ( بعيدا عن المسيح نورنا الحقيقي ) رعبا و لكن بمجئ شمس البر تتلاشى قوة عــــدو الخير و يتبدد شمل أعوانه
الأصحاح الثامن عشر
تناول اشعياء في هذا الإصحاح بلاد كوش التي قصد بها هنا " الحبشة " و هي البلاد التي سكنها بعض نسل كوش ( أسود ) بكر حام و قد عرفت هذه البلاد بمدينتها و قوتها منذ 1000 سنة قبل الميلاد و قد جاء في ( 2 مل 19 : 9 ) أن ترهاقة ملك كوش حارب جيش الأشوريين حينما كانوا يحاصرون أورشليم و في سنة 525 ق. م أفتتح قمبيز ملك الفرس بلاد كوش و في سنة 22 ق.م أخضعها الرومان لحكمهم .
أما عن كوش في الكتاب المقدس فقد اقترن أسمها بعصر و سبا ( 1ش 20 : 4 , 43 : 3) _ و وصف سكانها بطول قامتهم ( 1ش 45 : 14 ) و كان مما ذكر عن علاقتها ببني إسرائيل :-
_ زواج موسى من امرأة كوشية ( عــــد 12 : 1 )
_ مجئ ملكة سبا لتسمع حكمة سليمان ( 1 مل 10 : 1 )
_ محاربة زارح ملك كوش بألف رجل ضد آسا ملك يهوذا ( 3 أيام 14 : 9 _12 )
_ خروج ترهاقة ( ملك كوش ) لمحاربة سنحاريب ملك الأشوريين كما سبق القول ( 2 مل 19 : 9) و في العهد الجديد ذكر الخصى وزير كنداكة الذي بشرة فيلبس ( أ ع ص8)
******************************
و يبدو أن موضوع هذا الإصحاح يعود إلى حوالي سنة 700 ق. م حينما التقى الكوشيون بقيادة ترهاقة مع الأشوريين بقيادة سنحاريب كما مر بنا .
و يتضمن هذا الإصحاح :
(1) ملك كوش يرسل مبعوثيه استعــــداداً لمواجهة الأشوريين ( عــــد 1, 2)
(2) ترقب ما سيفعله الرب ( عــــد 3)
(3) موقف الرب في هدوء و سكون (عــــد 4)
(4) ضربة الرب للأشوريين (عــــد 5, 6)
(5) تقدمة الكوشيين للرب ( عــــد 7 )
أولا: ملك كوش يرسل مبعوثيه
1يَا أَرْضَ حَفِيفِ الأَجْنِحَةِ الَّتِي فِي عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشَ 2الْمُرْسِلَةَ رُسُلاً فِي الْبَحْرِ وَفِي قَوَارِبَ مِنَ الْبَرْدِيِّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. اذْهَبُوا أَيُّهَا الرُّسُلُ السَّرِيعُونَ إِلَى أُمَّةٍ طَوِيلَةٍ وَجَرْدَاءَ إِلَى شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعــــداً أُمَّةِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ قَدْ خَرَقَتِ الأَنْهَارُ أَرْضَهَا.
يصف النبي بلا كوش بحفيف الأجنحة و قد تضارت الأقوال في تفسير ذلك و الأرجح أنها إشارة إلى كثرة ذبابها و طنينه أو إلى حركة جيوشها الجرارة التي تشبه حفيف أجنحة الطيور عند طيرانها .
و قوله " عبر أنهار كوش " هو للتعبير عن اتساعها و امتدادها .. ثم يتحدث اشعياء عن مبعوثي ملك كوش الذين أرسلهم في البحر أي عن طريق النيل الذي يسمى بحرا لعظمته ( 1ش 19 :5) _ و قد أرسلهم في قوارب من البردي على وجه المياه لاستدعاء قواته لمحاربة ملك أشور أو ربما أرسلهم للتشاور في الموقف بالنسبة لخطر ملك أشور على اليهودية و مصر و كوش .
و النبي هنا يدعوهم للعودة لموطنهم المعروفين بطول القامة و الوجه المجرد من الشعر و المشهود لهم بالبأس و القوة و الشدة _ و كان اليهود قد اختبروا قوة الكوشيين عندما اشتركوا مع شيشق ضد رحبعام ( 2 أيام 12 : 3) و في زمان أسا الذي حاربه زارح الكوشي كما سبق و يقول اشعياء عن تلك البلاد
" قد خرقت الأنهار أرضا " و من المعروف أن بلاد الحبشة يجري فيها النيل بروافد حاملا من أرضها الطمي .
ثانيا: ترقب ما سيفعله الرب
3يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الْمَسْكُونَةِ وَقَاطِنِي الأَرْضِ عَُِنْدَمَا تَرْتَفِعُ الرَّايَةُ عَلَى الْجِبَالِ تَنْظُرُونَ وَعِنْدَمَا يُضْرَبُ بِالْبُوقِ تَسْمَعُونَ.
يطلب النبي إلى جميع سكان المسكونة و قاطني الأرض أن ينتظروا و يلتفتوا إلى ما سيعمله الرب و يجريه بالأشوريين عندما ترتفع رايته على الجبال _ كناية عن إعلان حدث هام و قوي _ و عندما يضرب بالبوق تنبيها للجميع لما سيتم حدوثه .
ثالثا: موقف الرب في هدوء و مسكونة
4لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي الرَّبُّ: «إِنِّي أَهْدَأُ وَأَنْظُرُ فِي مَسْكَنِي كَالْحَرِّ الصَّافِي عَلَى الْبَقْلِ كَغَيْمِ النَّدَى فِي حَرِّ الْحَصَادِ».
يعلن هذا القول عناية الرب و أولاده و حمايته لهم حتى و أن بدا هادئا ساكنا ناظرا و متابعا في مسكنه لكنه كالحر الصافي الذي ينعش البقل و كغنم الندى المرغوب فيه في حر الحصاد إذ يرطب الندى الأرض بينما يقي السحاب الحصادين و يظلمهم
رابعا:ضرب الرب للأشوريين
5فَإِنَّهُ قَبْلَ الْحَصَادِ عِنْدَ تَمَامِ الزَّهْرِ وَعِنْدَمَا يَصِيرُ الزَّهْرُ حِصْرِماً نَضِيجاً يَقْطَعُ الْقُضْبَانَ بِالْمَنَاجِلِ وَيَنْزِعُ الأَفْنَانَ وَيَطْرَحُهَا. 6تُتْرَكُ مَعاً لِجَوَارِحِ الْجِبَالِ وَلِوُحُوشِ الأَرْضِ فَتُصَيِّفُ عَلَيْهَا الْجَوَارِحُ وَتُشَتِّي عَلَيْهَا جَمِيعُ وُحُوشِ الأَرْضِ.
قبل أن ينفذ ملك أشور مقاصده و مخططاته التي تقترب من الاكتمال و ذلك بتشبيه مجازي قبل الحصاد و عندما يتفتح الزهور و يصير حصر ما نضيجا ( عنبا قارب النضج ) _ يقطع القضبان بالمناجل و ينزع الأفنان ( الأغصان )
و يطرحها _ أي يضرب الرب الأشوريين فتطرح جثث قتلاهم و تترك معا لتعيش على أكلها الجوارح و الوحوش و لكثرتها فإنها تستمر مأكلا لها صيفا و شتاءً
خامسا: تقدمة الكوشيين
7فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تُقَدَّمُ هَدِيَّةٌ لِرَبِّ الْجُنُودِ مِنْ شَعْبٍ طَوِيلٍ وَأَجْرَدَ وَمِنْ شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعــــداً مِنْ أُمَّةٍ ذَاتِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ قَدْ خَرَقَتِ الأَنْهَارُ أَرْضَهَا إِلَى مَوْضِعِ اسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ جَبَلِ صِهْيَوْنَ.
نبوة عن دخول بلاد الحبشة في المسيحية و قد تمت مبدئيا بإيمان الخصى ( 1ع ص 8) ثم تمت على أوسع نطاقي على يد فرومنتيوس المصري ( الأنبا سلامة ) في عهد البابا أثناسيوس الرسولي , في الثلث الأول من القرن الرابع الميلادي .
لاحـــــظ و تأمـــــــل
بينما يكون الإنسان مضطربا هائجا يصبح و يصرخ نرى الله هادئا و في هدوئه:
+ ينظر و يتابع و لا يتغاضى أو يتخلى عنا .
+ يتأنى حتى يأتي الوقت المناسب .
+ و في الوقت المناسب يتدخل و يعمل بشدة و حزم و قوة .
الإصحاح التاسع العاشر
و في هذا الإصحاح التالي نلتقي بوحي من جهة مصر التي يرد ذكرها في العهد القديم أكثر من أي بلد آخر بعــــد كنعان .
و اسم مصر فى العبرية و العربية يعود الى مصرايم بن حام ( تك 10 : 6 ) - أما فى اليونانية و اللغات الغربية ( Aigptos ) فهو على الأرجح مشتق من " حى - كو - بتاح " ( Hikuptah ) و معناها بيت روح بتاح و أما فى اللغة القبطية فهو ( XHMI ) " كيمى " - أى الأرض السوداء
و قد كانت لمصر علاقات عــــديدة بشعب الله منذ أن جاء إليها إبراهيم بسبب الجوع في كنعان ( تك ص12) _ و لما بيع يوسف بواسطة إخوته لقافلة المديانيين باعة هؤلاء لفوطيفار في مصر حيث انتهت به الأمور إلى تولى شئونها كحاكم عليها بعــــد تفسيره لأحلام فرعون ( تك ص 37 _ 41) و جاء إليها يعقوب و عائلته حيث أقاموا في أرض جاسان ( تك 42_ 50) و لما تكاثروا و تغيرت الأسرة المالكة في مصر قام فرعون جديد لما يكن يعرف يوسف و إستعبد العبرانيين بقسوة و عانى بنو إسرائيل من العبودية حتى قام موسى الذي كلفه الرب بإخراج شعبة من مصر
و يروي لنا سفر الخروج تفاصيل العبودية و الخروج من مصر و بعــــد قيام المملكة اليهودية و قعت أحداث بينها و بين مصر و أبرزها :
(1) في عهد الملك سليمان هرب يربعام بن نباط إلي شقيق لك مصر الذي ملك حوالي ( سنة 945 _ 924 ق. م ) لما مات سليمان عاد يربعام إلى اليهودية و أنشق على رحبعام و أقام مملكة الأسباط العشرة ( إسرائيل) ( 1ملوك 11: 40 ص 12)
(2) في عهد رحبعام بن سليمان قام شيشق ملك مصر بغزو أورشليم و أخذ كنوزها ( 1ملوك 14: 25 _ 26)
(3) في عهد ملك يوشيا ملك يهوذا زحف نخو الثاني ملك مصر(610 _595 ق.م) إلى فلسطين لمساعــــدة أشور ضد بابل فاعترضه يوشيا الذي قتل في مجدو ( 2 ملوك 23 :29 _30)
(4) قام نخو بخلع يهوآحاز خليفة يوشيا و أقام مكانه يهويا قيم (2ملوك23 :33_ 35)
(5) أُرغم أرميا على المجيء إلى مصر التي كان يحث الشعب على عــــدم الهروب إليها و قد ختم نبواته في تحفنيس بمصر ( ار 43: 7)
و يمكن تقسيم الإصحاح إلى ثلاثة أقسام
1_ وحي من جهة مصر ( عــــد 1 _ 4)
2_ التهديد بما كان سيحل بها من ضيقات ( عــــد 5 _ 17 )
3_ رجوع المصريين إلى الله ( عــــد 18 _ 25 )
أولا: وحي جهة مصر ( عــــد 1 - 4)
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: «هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. 2وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً. 3وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابِعِ وَالْعَرَّافِينَ. 4وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلىً قَاسٍ فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ.
يتضمن الوحي من جهة مصر تهديدا لها بالكوارث و الشدائد و ينبغي بالنسبة لذلك أن نضع في الاعتبار :
(1) أن هذه الكوارث إنما كانت ضربات بقصد التأديب و ليس بقصد الإهلاك ( و يضرب الرب مصر ضربا فشافيا عــــد 22)
(2) أن هذه الضربات قد وقعت على مصر قديما بيد الأشوريين و غيرهم لتعليم اليهود الإتكال على الله بدلا من الإعتماد على مصر .
( عــــد 1) :
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: «هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ
تسمى السحابة مركبة الله ( مز 18: 10, 11 ) كناية عن علوها و سرعتها و عــــدم القدرة على إعتراضها .
و قد تمت هذة النبوة على مرحلتين :
(1) قدوم الله إليها أولا مؤدبا إياها بالضربات.
(2) قدوم الله اليها في شخص ابن محبته ( هاربا من هيرودس ) و في شخص مرقس الرسول الذي كرز بالإيمان ...
و يرى القديس كيرلس الكبير أن السحابة الخفيفة السريعة كانت إشارة إلى القديسة مريم العذراء التي حملت الرب يسوع طفلا .
فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا.
لقد عبد المصريون الأصنام التي تتمثل في قوى الطبيعة كالشمس و النجوم ثم عبدوا الحيوانات مثل عجل أبيش و هر بوبستة و الطيور مثل أبي منجل المقدس ثم هبطوا إلى عبادة الزواحف كالتمساح و الأفعى المصرية و أخيرا عبدوا بعض الحشرات كالخنفسة المقدسة ( عن تفسير إيرنسايد )
أن هذه الأوثان ترتجف _ أي ينهار قدرتها على خلاص مصر و يذوب قلب مصر بداخلها أي ينتشر الخوف و الذعر بين سكانها .
( عــــد 2) :
2وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً
يدب الانقسام بين سكان مصر و قد حدث أيام أشور بانيبال أن أنقسمت المملكة إلى 12 قسما متنازعا ( عن تفسير السنن القويم ).
و يذكر هيرودوت أنه كانت في مصر حروب أهلية في أيام بسمتيك الذي نجح أخيرا في توحيد مصر .
( عــــد 3 ) :
3وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابِعِ وَالْعَرَّافِينَ.
تذوب روح مصر اضطرابا و خوفا و تبطل مشورة حكمائها فيلجأون إلى الأوثان و العازفين ( السحرة ) و أصحاب التوابع و العرافين .
(عــــد 4 ) :
4وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلىً قَاسٍ فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ.
لقد تعــــددت الآراء بشأن إتمام هذه النبوة فظن البعض أنة القرن الصغير الذي رآه دانيال ( ص7: 16) و قال غيرهم أنة أحد ملوك كوش و آخرون أنة سرجون الثاني ملك أشور أو أسرحدون الذي غزا مصر في سنة 620 ق. م
ثانيا : التهديد بما سيحل بها من ضيقات ( عــــد 5 _ 17)
يمكننا أن نرى في هذا القسم جانبين من الشدائد التي كانت ستحل بمصر :
1 _ جفاف النيل و تدهور الحياة الأقتصادية ( عــــد 5 _ 10 )
2 _ ضياع حكمة المشيرين و الخوف من أمام قضاء الرب ( عــــد 6 _ 17 )
5«وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ. 6وَتُنْتِنُ الأَنْهَارُ وَتَضْعُفُ وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالأَسَلُ. 7وَالرِّيَاضُ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ. 8وَالصَّيَّادُونَ يَئِنُّونَ وَكُلُّ الَّذِينَ يُلْقُونَ شِصّاً فِي النِّيلِ يَنُوحُونَ. وَالَّذِينَ يَبْسُطُونَ شَبَكَةً عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ يَحْزَنُونَ 9وَيَخْزَى الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْكَتَّانَ الْمُمَشَّطَ وَالَّذِينَ يَحِيكُونَ الأَنْسِجَةَ الْبَيْضَاءَ. 10وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً وَكُلُّ الْعَامِلِينَ بِالأُجْرَةِ مُكْتَئِبِي النَّفْسِ
تنبأ اشعياء عن :
* جفاف البحر ( عــــد 5 ) أي نقص مياه النيل فتجف الأحواض
* و تنتن القنوات و الواقي و يتلف القصب و الأسل ( عــــد 6 ) ( الأسل نبات طويل دقيق الإغصان تصنع منة السلال و الكراسي )
* كما تيبس الرياض ( المروج _ الأراضي الخضراء ) و المزارع على حافة النيل و يتلاشى و جودها ( عــــد 7 )
* و يختفي السمك فيئن الصيادون لأنهم لا يجدونه فينوحون و الذين يلقون شباكهم على المياه يحزنون ( عــــد 8 )
* و يملأ اليأس قلوب الذين يصنعون الكتان الممشط و حائكو الأنسجة اليضاء من الكتان الفاخر ( عــــد 9 )
* و يذل عمدها ( أي أصحاب الثراء ) و يكتئب عمالها ( عــــد 10 )
. 11«إِنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءَ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ. كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ: أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ. 12فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ. 13رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ. رُؤَسَاءُ نُوفَ انْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا. 14مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ. 15فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ. 16فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ فَتَرْتَعــــد وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا. 17«وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا رُعْباً لِمِصْرَ. كُلُّ مَنْ تَذَكَّرَهَا يَرْتَعِبُ مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ عَلَيْهَا
بعــــد أن تحدث عن تدهور الحياة الأقتصادية أنتقل النبي إلى الحديث عن ضياع حكمة المصريين التي تميزوا بها _ فقد اختصوا بنسبة الحكمة إليهم إذ قيل في ( 1مل 4: 30) " و فاقت حمة جميع بني المشرق و كل حكمة مصر " _ و قال استفانوس عن موسى أنه تهذيب بكل حكمة المصريين " ( أع 7: 22 )
( عــــد 11 ) :
يصير رؤساء صوعن (1) أغبياء و تتحول مشورة حكماء فرعون إلى مشورة غبية حمقاء _ فلا يفتخر أحد بانتسابه إلى حكماء و لا إلي ملوك قدماء
( عــــد 12 ) :
يتحدى اشعياء فرعون متسائلا أن هم حكماؤك ؟ _ فان كان لهم و جود فليكشفوا لك ما قضى به رب الجنود على مصر ، لقد عرفت مصر بأعمال السحر و لكن السحرة لا يعرفون شيئا من مقصاد و أحكام الله .
( عــــد 13 ) :
لقد فقد رجال صوعن و رؤساؤها معرفتهم فصاروا أغبياء و إنخدع رؤساء نوف و صارت الضلالة على يد رؤساء قبائلها .
( عــــد 14 ) :
خلط الرب مشورات مصر بروح الظلال و الخداع و لم يحسن عظماؤها تصريف شئونها فصاروا كمخمورين بلا وعي و صارت مصر تترنح كترنح السكران في قيئه .
( عــــد 15 ) :
يتوقف العمل بالنسبة للرأس أو الذنب و النخلة أو الأسلة _ و يراد بذلك انتشار الركود و اختفاء النشاط بالنسبة لأصحاب الرأي و العاديين لمتقدمين و المتخلفين .
( عــــد 16 ) :
في ذلك اليوم _ يوم القضاء بهجوم الأشوريين يسود الرعب و الخوف كما تشعر به النساء فيرتعــــد الجميع من هزة يد رب الجنود التي يرفعها عليها .
( عــــد 17 ) :
صارت أرض يهوذا رعبا لمصر و ذلك لأن يهوذا خضعت للأشوريين الذين استولوا عليها ( 2 أيام 33 :11 ) و إضطر اليهود أن يساعــــدوا الأشوريين ضد المصريين و هكذا صارت أرض يهوذا مركزا حربيا هدد مصر و كان هذا قضاء اليها استخدم في تنفيذة الأشوريين .
ثالثا : رجوع المصريين إلى الله ( عــــد 18 - 25 )
18«فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ يُقَالُ لإِحْدَاهَا «مَدِينَةُ الشَّمْسِ». 19فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا. 20فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصاً وَمُحَامِياً وَيُنْقِذُهُمْ. 21فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ وَيَعْرِفُ الْمِصْريُّونَ الرَّبَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْراً وَيُوفُونَ بِهِ. 22وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِباً فَشَافِياً فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ. 23«فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ. 24فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلْثاً لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ بَرَكَةً فِي الأَرْضِ 25بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ».
في هذه الأعــــداد ينتقل النبي اشعياء إلى الحديث عن المواعيد المطمئنة و المشجعة المقدمة لمصر بمعرفة الرب بين شعبها .
( عــــد 18 ) :
" فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ "
إنة يوم أي وقت أو زمن في ذهن النبي حينما تنعم بالبركات الروحية التي سيتحدث عنها
" يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ "
كنعان حرفيا هو اللغة العبرية و قد تحقق ذلك مبدئيا حينما كثر عــــدد اليهود الذين جاءوا إلى مصر و أقاموا فيها و لاسيما في عهد الاسكندر الأكبر الذي أعطاهم _ كما قال يوسيفوس _ إمتيازات تساوت مع تلك التي منحها لليونانيين فارتفع عــــدد اليهود في مصر إلي مليون نسمة على حد قول قيلون و في عهد بطليموس السادس هرب إلى مصر " أونياس " و معة عــــدد من اليهود و حصل على تصريح باقامة هيكل بالقرب من هليوبوليس و لكن من الواضح أن اشعياء قد قصد بنبوته ما هو أبعــــد من ذلك و لفة كنعان لا يراد بها الألفاظ و الكلمات بل أسلوب التعبير عن مفاهيم جديدة و مشاعر و اتجاهات جديدة
لقد تمت هذه النبوة في صورتها الكاملة حينما دخلت المسيحية مصر على يد مرقس الرسول و إنتشرت لغة الأنجيل المكني عنها هنا بلغة كنعان أي لغة الديانة الجديدة و تكلمت بها " خمس مدن" تعبيرا عن الكثرة .
" وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ "
أي تعبيرا عن الولاء له و عبادته .
" يُقَالُ لإِحْدَاهَا «مَدِينَةُ الشَّمْسِ». "
باليونانية " هليوبوليس " و كانت مركز للوثنية و يراد بذلك انتشار المسيحية في أعظم معاقل الوثنية .
( عــــد 19 ) :
19فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ
يقول البعض أن هذه النبوة قد تحققت ببناء مذبح " أونياس" الذي بحسب قول يوسيفوس _ أقنع بطليموس بهذه النبوة و لكن هذا القول مردود علية لم يكن الرب في العهد القديم يسمح ببناء مذبح أخر غير مذبح الهيكل في أورشليم و على ذلك لا يمكن اعتبار هذه النبوة قد تحققت الابقيام الكنيسة في مصر.
" وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخُمِهَا "
كانت اليهودية تمنع إقامة النصب أو الأعمدة (تث 16: 22) و لكن يمكن أن يكون العمود تعبيرا عن الشهادة للرب ( تك 31 : 52 ) و بهذا المعنى يمكن اعتبار هذة النبوة قد تحققت بكرازة القديس مارمرقس الذي شهد للرب فب الأسكندرية و هي تخم مصر من جهة البحر .
( عــــد 20 ) :
20فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصاً وَمُحَامِياً وَيُنْقِذُهُمْ.
صارت العبادة المسيحية علامة و شهادة للرب في مصر و صار المسيح نفسه مخلصا و محاميا و منقذا لأولاده الملتجئين من مضايقة إبليس .
( عــــد 21 , 22 ) :
يتضمن هذان العــــددان ثلاثة امتيازات روحية لأهل مصر :
1_ المعرفة المتبادلة مع الرب " فيعرف الرب في مصر و يعرف المصريون الرب في ذلك اليوم "
2_ شركة الذبيحة المقدسة و حياة التكريس " يقدمون ذبيحة و تقدمة و ينذرون للرب و يوفون به "
3_ الشفاء بعــــد التأديب " و يضرب الرب مصر ضاربا فشافيا فيرجعون إلى الرب فيستجيب لهم و يشفيهم "
( عــــد 23 ) :
23«فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ.
هنا ينتقل اشعياء إلى امتداد انجيل السلام و المحبة و الوحدة بين الأمم و الشعوب التي كانت في الوثنية متعادية و متخاصمة . فبعــــد أن يعرف المصريون الرب يعرفه أيضا الأشوريون و تكون بين الشعبين " سكة " أي رابطة روحية و وحدة في الإيمان بعــــد أن كانت العــــداوة قائمة بينهما .
( عــــد 24 , 25 ) :
" 24فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلْثاً لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ بَرَكَةً فِي الأَرْضِ 25بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلاً: مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ». "
بما أن أشور و مصر يمثلان العالم الوثني فأن المقصود هنا هو اتحاد اليهود بالأمم في مجتمع مسيحي واحدة و كنيسة واحدة كانت قبل ذلك ثلاثة أطراف و يختتم الإصحاح بالبركة الموعودة للمصرين شعب الله و للأشوريين عمل يديه و لميراثه من نسل إبراهيم بالروح
الإصحاح العشرون
1فِي سَنَةِ مَجِيءِ تَرْتَانَ إِلَى أَشْدُودَ حِينَ أَرْسَلَهُ سَرْجُونُ مَلِكُ أَشُّورَ فَحَارَبَ أَشْدُودَ وَأَخَذَهَا 2فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَالَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ: «اذْهَبْ وَحُلَّ الْمِسْحَ عَنْ حَقَوَيْكَ وَاخْلَعْ حِذَاءَكَ عَنْ رِجْلَيْكَ». فَفَعَلَ هَكَذَا وَمَشَى مُعَرًّى وَحَافِياً. 3فَقَالَ الرَّبُّ: «كَمَا مَشَى عَبْدِي إِشَعْيَاءُ مُعَرًّى وَحَافِياً ثَلاَثَ سِنِينٍ آيَةً وَأُعْجُوبَةً عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُوشَ 4هَكَذَا يَسُوقُ مَلِكُ أَشُّورَ سَبْيَ مِصْرَ وَجَلاَءَ كُوشَ الْفِتْيَانَ وَالشُّيُوخَ عُرَاةً وَحُفَاةً وَمَكْشُوفِي الأَسْتَاهِ خِزْياً لِمِصْرَ. 5فَيَرْتَاعُونَ وَيَخْجَلُونَ مِنْ أَجْلِ كُوشَ رَجَائِهِمْ وَمِنْ أَجْلِ مِصْرَ فَخْرِهِمْ. 6وَيَقُولُ سَاكِنُ هَذَا السَّاحِلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: هُوَذَا هَكَذَا مَلْجَأُنَا الَّذِي هَرَبْنَا إِلَيْهِ لِلْمَعُونَةِ لِنَنْجُو مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ فَكَيْفَ نَسْلَمُ نَحْنُ؟».
تمهيد تاريخي :
في هذا الإصحاح يتنبأ اشعياء النبي بخضوع " أشدود" و هزيمته حليفتيها مصر و كوش أمام الأشويين و يدعوا أمته إلى دعم التحالف مع أشدود التي كانت تساندها مصر و كوش
أما " أشدود " فكانت إحدى عواصم الفلسطينيين الخمس ( يش 13 : 3 ، 1 صم 6: 17 ) _ و قد عرفت بقوتها كما يفيد أسها الذي ربما يعني " قوة " أو " حصن " و قد جاء ذكرها _ مع عسقلون _ في أثار أوغاريت كأحد المراكز التجارية في القرن الخامس عشر ق. م _و كانت من نصيب يهوذا ( يش 15 : 47) و لكن لم يتمكن هذا السبط من أخذها و كان بها معبد داجون الذي أخذ الفلسطينيون إليه تابوت العهد ( 1 صم ص 5) _ و فيها كرز فيلبس بداية العصر الرسولي ( أع ص8) و هي الأن تعرف باسم أشدود و تقع في منتصف المسافة تقريبا بين غزة و يافا .
سقوط أشدود ( عــــد 1 ) :
حاصرها سرجون ملك الأشوريين سنة 713 ق.م و سقطت و خضعت له ثم تمردت ثاينة سنة 711 ق.م بواسطة ترتان من قبل سرجون
اشعياء يسير عاريا حافيا ( عــــد 2, 3) :
أمر الرب اشعياء أن يصور بطريقة رمزية و عملية ما سيصيب كلا من المصريين و الكوشيين من خزي و هزيمة فطلب إلية أن يحل المسح من حقويه
( و كانت المسوح أثوابا خشنة من الشعر تلبس وقت الحزن و الحداد _ و ربما كان الأنبياء يرتدونها علامة خدمتهم ) و أن يخلع الرب حذاءه عن رجلية ففعل اشعياء حسب أمر الرب له و ظل يسير في أورشليم بهذه الصورة ثلاث سنين .
أتمام النبوة ( عــــد 4) :
تمت النبوة حينما استولى جيش سرجون على أشدود فباع أهلها و من ساندهم من المصريين و الكوشيين عبيدا و ساقهم عراة و حفاة ( كما تمت هذة النبوة بصورة أكمل بالنسبة لمصر و كوش حينما فتح الأشوريون مصر بعــــد ذلك في عهد اسرحدون بن سنحاريب ) و قد كشفت الآثار الأشورية عن صورة العــــديد من الأسرى الفتيان و الشيوخ و هم عراة لا يرتدون إلا الأقمصة _ كما ذكر اشعياء هنا " عراة و حفاة و مكشوفي الاستاه _ أي الأقفية أو الأرداف
أثر و نتيجة ذلك ( عــــد 5 , 6) :
بعــــد هزيمة أشدود و المصريين و الكوشيين يرتاع الذين التجأوا إلى والي مصر و كوش لنجدتهم جاعلين عليهما فخرهم و مجدهم و هكذا فان " ساكن هذا الساحل أي سكان ساحل فلسطين و كانوا من اليهود و غيرهم و يقولون أن كان هذا العار قد لحق بالذين طلبنا عونهم و لجأ إليهم فكيف ننجو نحن ...
مــــــلاحظات و تأمـــــلات
(1) يطلب الله أحيانا كمن خدامه القيام بأمور تبدو في ظاهرهــــا أمامهم صعبة و غير معقولة و لكن الخادم الأمين يطيع بدون معارضة أو تردد و لقد عارض يونان و خالف أمر الرب له بالذهاب إلى نينوى فلاقى ما حدث له في البحر .. أما اشعياء فقد أطاع و رغم أنه كان قد اعتاد على مجالســــة الملوك و العظماء فانه ظل ثلاث سنوات يسير عاريا و حافيا ...
(2) و أحيانا يطالب الله خدامة باستخدام الوسائل العملية الرمزية تأكيداً و توضيحاً لإعلان مقاصده :
_ فاشعياء تصرف بالطريقة المذكورة هنا
_ و أرميا جعل على عنقه ربطا و أنيارا ( ار27 : 2)
_ و حزقيال اتكأ على جنبه اليسار 390 يوما و على جنبة اليمين 40 يوما( حز 4: 4_ 6)
_ و أغابوس ربط يديه و رجليه بمنطقة بولس ( ا ع 21 : 11)
(3) بدا اشعياء في نظر الناس في صورة محتقرة إذ كان يسير كأنة متسول أو أسير و هكذا يكون خدام الله في نظر العالم " معتازين , مكروبين مذلين
( عب 11: 17) _ وكما قال الرسول بولس " صرنا كأقذار العالم و وسخ كل شيء " ( 1كو 4: 13) ( اقرأ 2 كو 6 : 4 – 10 ) .
الإصحاح الحادي و العشرون
يشتمل هذا الإصحاح على ثلاث نبوات
1 _ نبوة عن بابل ( عــــد 1 _ 10)
2 _ نبوة عن أدوم ( عــــد 11 _ 12 )
3 _ نبوة عن بلاد العرب ( عــــد 13 _ 17)
أولا : النبوة عن بابل ( عــــد 1 _ 10 )
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَرِّيَّةِ الْبَحْرِ: كَزَوَابِعَ فِي الْجَنُوبِ عَاصِفَةٍ يَأْتِي مِنَ الْبَرِّيَّةِ مِنْ أَرْضٍ مَخُوفَةٍ. 2قَدْ أُعْلِنَتْ لِي رُؤْيَا قَاسِيَةٌ. النَّاهِبُ نَاهِباً وَالْمُخْرِبُ مُخْرِباً. اصْعــــدي يَا عِيلاَمُ. حَاصِرِي يَا مَادِي. قَدْ أَبْطَلْتُ كُلَّ أَنِينِهَا. 3لِذَلِكَ امْتَلَأَتْ حَقَوَايَ وَجَعاً وَأَخَذَنِي مَخَاضٌ كَمَخَاضِ الْوَالِدَةِ. تَلَوَّيْتُ حَتَّى لاَ أَسْمَعُ. انْدَهَشْتُ حَتَّى لاَ أَنْظُرُ. 4تَاهَ قَلْبِي. بَغَتَنِي رُعْبٌ. لَيْلَةُ لَذَّتِي جَعَلَهَا لِي رِعــــدةً. 5يُرَتِّبُونَ الْمَائِدَةَ يَحْرُسُونَ الْحِرَاسَةَ يَأْكُلُونَ. يَشْرَبُونَ - قُومُوا أَيُّهَا الرُّؤَسَاءُ امْسَحُوا الْمِجَنَّ! 6لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي السَّيِّدُ: «اذْهَبْ أَقِمِ الْحَارِسَ لِيُخْبِرْ بِمَا يَرَى». 7فَرَأَى رُكَّاباً أَزْوَاجَ فُرْسَانٍ. رُكَّابَ حَمِيرٍ. رُكَّابَ جِمَالٍ. فَأَصْغَى إِصْغَاءً شَدِيداً 8ثُمَّ صَرَخَ كَأَسَدٍ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ أَنَا قَائِمٌ عَلَى الْمَرْصَدِ دَائِماً فِي النَّهَارِ وَأَنَا وَاقِفٌ عَلَى الْمَحْرَسِ كُلَّ اللَّيَالِي. 9وَهُوَذَا رُكَّابٌ مِنَ الرِّجَالِ. أَزْوَاجٌ مِنَ الْفُرْسَانِ». فَأَجَابَ: «سَقَطَتْ سَقَطَتْ بَابِلُ وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِ آلِهَتِهَا الْمَنْحُوتَةِ كَسَّرَهَا إِلَى الأَرْضِ». 10يَا دِيَاسَتِي وَبَنِي بَيْدَرِي. مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَبِّ الْجُنُودِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ.
سبق أن تكلم اشعياء النبي عن خراب بابل في الإصحاح الثالث عشر و هنا نلتقي به و هو يعطي تفاصيل أخرى في وصف سقوطها و من المعروف عن تاريخ بابل أنه قديم جدا يرجع إلى عصر " نمرود" كما جاء في ( تك 10 : 10 ) ( انظر ميخا 5: 6) و ترجع تسميتها إلى بلبلة الألسنة عند بناء البرج الذي ورد ذكره في ( تك 11: 2_8) و ارتفع شأن بابل عندما أسس نبوخذ نصر مملكته و اتخذها عاصمة له بعــــد أن أخرب نينوى . و أصبحت مملكة بابل هي مملكة الكلدانيين و أولى الممالك ( الأربعة ) التي رمز إليها بالتماثيل الذي رآه الملك نبوخذ نصر ( دا ص2 ) و بني هذا الملك أسوار بابل الضخمة و غرس لزوجته و حدائقها المعلقة الرائعة التي ضمن عجائب العالم السبع و قد مات نبوخذنصر سنة 561 ق.م و خلفه ابنه أَوِيل مَرودَخ ( 1ر 52 : 21) ثم حفيدة بيلشاصر الذي انتهت المملكة على يديه بسقوط بابل سنة 538 ق.م في إحدى ليالي احتفالات عيد قومي و كان الناس سكارى و قد أعــــد بيلشاصر وليمة لعظمائه الألف و كان حراس المدينة أيضا مخمورين فتركوا أبواب المدينة مفتوحة فسقطت بابل في يد كورش الفارسي و قتل بيلشاصر في تلك الليلة و أقيم عليها داريوس حاكما من قبل كورش و هكذا قامت المملكة الثانية ( مملكة مادي و فارس ) ( د1 ص 5 ,1ش 47 : 1_ 11 , 1ر 25 : 12_ 13 , ص 50, 51 )
*****************************
( عــــد 1 ) :
يستهل اشعياء كلامه بعبارة " وحي من جهة برية البحر " و هذا تعبير غير مألوف و إذا أخذناه بالمعنى الحرفي يكون البحر هنا هو نهر الفرات الذي تمتد غربة برية صحراوية حتى حدود حالة الجدب الروحي لبابل بينما يشير البحر إلى طبيعتها العالمية أما الزوابع الجنوبية العاصفة فإنها تشبيه لجيوش الماديين و الفرس القوية التي هاجمت بابل من الشمال و الشرق .
( عــــد 2 ) :
يكشف النبي عن الرؤيا القاسية التي رأى فيها أعمال النهب و التخريب تقوم بها عيلام و مادي بعــــد حصار بابل و سقوطها و عند سقوطها يبطل كل أنينها أي أنين من كانوا فيها من المظلومين و المأسورين أما عيلام فهو الأسم الذي كان معروفا لدى اليهود عن بلاد فارس و كان كورش قد امتلكها و ضمها إلية .
( عــــد 3 ، 4 ) :
أحس اشعياء بالألم و الوجع لما سيحل بمدينة بابل من دمار و خراب فامتلأت حقواه ألما و انتابه مخاض كمخاض الوالدة ففقد وعيه من جراء ما سمع و أصابه الذهول مما رأى و تحير قلبه و أرعبه الفزع و تحولت الليلة التي رأى فيها تلك الرؤيا الرهيبة إلى رعــــدة بعــــد أن كان يحسبها ليلة لذته يقضيها في راحة و خلوة روحية .
( عــــد 5 ) :
بعــــد أن كان البابليون يرتبون المائدة للولائم و يقيمون الحراس و يأكلون و يشربون فوجئوا بهجوم الأعــــداء فكان عليهم أن يقوموا لمسح المجن اعــــداده للحرب .
( عــــد 6 ) :
يذكر اشعياء أن الرب قد أمرة أن يقيم حارسا أو بالحرى رقيبا لكي يراقب و يخبره بما يرى و لا يؤخذ هذا الكلام حرفيا بل مجازيا بما يفيد أن موعــــد إتمام النبوة كان سيأتي بعــــد فترة ليست قصيره و هذا هو ما تم فعلا لأن سقوط بابل في يد كورش كان بعــــد عمر اشعياء بما يزيد عن قرون و نصف .
( عــــد 7 ) :
شاهد الرقيب أناسا راكبين خيولا اثنين اثنين ( وربما تكون هنا اشارة إلى أتحاد الماديين و الفرس ) و آخرين راكبين حميرا و جمالا ( و هم خدام الجيش المكلفين بحمل الأمتعة) و أمام هذا المشهد كان على الحارس أن يصغي بكل اهتمام .
( عــــد 8 ,9 ) :
و فجأة يصرخ الرقيب بصوت كزئير الأسد ليقول " ها أنا أقف على برج المراقبة يوم بعــــد يوم أيها الرب , و أنا ساهر على المحرس كل اليالي .. فها ركب قادم , فرسان أزواج أزواج " و أعلن " سقطت سقطت بابل و تحطمت سائر معبوداتها على الأرض" و لا يقصد بتحطيم أصنامها التحطيم المادي و الحرفي بل التحطيم الأدبي و المعنوي بفقدان سلطانها و هيبتها .
( عــــد 10 ) :
هنا يخاطب اشعياء شعبة بقوله " يا دياستي و بني بيدري ...."
و الدياسة تعني الزرع المدروس , أي شعب الله الذي صفاه ونقاه بالتأديب الصارمة . و يضيف بأنة أخبرهم بما سمعه من رب الجنود إله إسرائيل .
ثانيا : النبوة عن أدوم ( عــــد 11 - 12 )
تمهيد تاريخي عن أدوم :
تمتد بلاد أدوم جنوبي البحر الميت على تخوم موآب و أدوم هو اسم عيسو أخي يعقوب و معناه " أحمر " مما يذكر بلون العــــدس الذي باع به بكوريته ( ك 25: 30) و قد أقام نسل عيسو ( ادوم ) في المنطقة التي اشتملت على كل تخوم كنعان الجنوبية ممتدة من البحر الميت إلى خليج الشرقي للبحر الأحمر
و من بينهما جبل سعير و قد جاءت تفصيلات نسلة في ( تك ص 36) أما عن العلاقات بين أدوم و اليهود فقد سادتها العــــداوة الشديدة بينهما
_ فقد اعترض أدوم على عبور بني إسرائيل في أرضهم حينما كانوا في طريقهم إلى كنعان ( عــــد 20 : 20 _ 21 )
_ وحاربهم شاول في أول ملكة و هزمهم ( 1صم 14: 47)
_ و تغلب عليهم داود ( 2صم 8 : 14)
_ و عصوا سليمان ( 1 مل 11: 14)
_ بعــــد أن تغلب عليهم نبوخذنصر تغلب عليهم يهوذا مكابيوس في أيام المكابيين ثم أخضعهم يوحنا هركانوس تماما .
_ ظهر منهم أنتيباير الادومي الذي تسلط على اليهودية سنة 47 ق.م و من بعــــده ملك هيرودس الكبير من قبل الرومان .
و من الأنبياء _ عــــدا اشعياء _ تنبأ ارميا بخراب أدوم ( 49: 17 _ 18) و قد تم ذلك تماما .
11وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دُومَةَ: صَرَخَ إِلَيَّ صَارِخٌ مِنْ سَعِيرَ: «يَا حَارِسُ مَا مِنَ اللَّيْلِ؟ يَا حَارِسُ مَا مِنَ اللَّيْلِ؟» 12قَالَ الْحَارِسُ: «أَتَى صَبَاحٌ وَأَيْضاً لَيْلٌ. إِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ فَاطْلُبُوا. ارْجِعُوا تَعَالُوا
( عــــد 11 ) :
وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دُومَةَ
أطلق أشعياء على هذه البلاد اسم " دومة " و معناها " السكوت " وكان ذلك إشارة الى الدمار الشامل الذى سيجعل من تلك البلاد مكانآ موحشآ بلا سكان ، يخيم عليه سكون رهيب أشبه بسكون الليل .
صَرَخَ إِلَيَّ صَارِخٌ مِنْ سَعِيرَ: «يَا حَارِسُ مَا مِنَ اللَّيْلِ؟
يتصور أشعياء أدوميآ يصرخ إليه من جبل سعير قائلآ : يَا حَارِسُ مَا مِنَ اللَّيْلِ ؟ - و الحارس هنا هو أشعياء الذى كان وحده يقظآ بينما غرق الآخرون فى سكون نوم الليل المظلم و الحالك السواد و بادر ذلك الأدومى بالسؤال الى أشعياء بإعتبارة النبى الذى يعرف الله .
أما الفقرة " مَا مِنَ اللَّيْلِ " فهى فى أصلها تعنى " أى ساعة هى الآن " أو بمعنى " كم مضى و كم تبقى من الليل " – فهو مثل من يتطلع متلهفآ نحو نور الفجر لكى يتخلص من عذاب الآلام و الضيقات والشدائد الذى طال أمده ، وإشتدت وطأته ، إنه ليل المظالم و الخراب و أعمال العنف و القسوة الشديدة من أشور ضد الأدوميين .....
( عــــد 12 ) :
قَالَ الْحَارِسُ: أَتَى صَبَاحٌ وَأَيْضاً لَيْلٌ
هنا يجيب أشعياء مستخدمآ صيغة الغائب ، فقال أتى نور الفجر – و أيضآ ليل .... ويفسر البعض ذلك بإعتبار الصباح يعنى راحة قصيرة أعقبها ليل ، أى عودة الضيق .... و يستشهد هؤلاء بما حدث لأدوم من ضيق على يد سرجون ثم بعض الراحة فى أول عهد سنحاريب الذى فى آخر أيام مُلكة هجم الأشوريون على أدوم و نهبوها ... و يفسر آخرون الصباح و الليل بأن الأول يعنى الخلاص لمن يجدون فى الرب ملجأ ، و الثانى هو الهلاك لمن يظًلون فى خطيتهم ......
ِإنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ فَاطْلُبُوا. ارْجِعُوا تَعَالُوا
يرجح أن هذا الكلام الذى يوجهة النبى للأدوميين هو وعد بإستجابة الرب لهم إذا هم طلبوة بتوبة و خضوع و إيمان .
ثالثا : النبوة عن بلاد العرب ( عــــد 13 - 17)
13وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ. 14هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ. 15فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَمِنْ أَمَامِ الْقَوْسِ الْمَشْدُودَةِ وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الْحَرْبِ. 16فَإِنَّهُ هَكَذَا قَالَ لِي السَّيِّدُ: «فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ 17وَبَقِيَّةُ عــــددِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ».
أطلق اشعياء على بلاد العرب ثلاثة أسماء أخرى و هي :
الددانيين : و قد ذُكِر اسمة ددان بن رعمة بن كوش بن حام في ( تك 10 : 7) وسَكَنت ذريته مقاطعة في بلاد العرب على الخليج العربي .
كما أُطلِق أسم ددان أيضا على ابن يقشعان بن إبراهيم من قطورة ( تك 25 : 3) وسكن نسله منطقة بلاد العرب جنوبي أرض أدوم و اشتهروا بالتجارة مع شعوب كثيرة .
تَيْمِاء : أو" تيما " و هو أحد أبناء إسماعيل بن إبراهيم ( تك 25 : 15) و أقام نسله في بلاد العرب .
قيدار : و هو الابن الثاني لإسماعيل بن إبراهيم ( تك 25 : 13 ) و يعني اسمه " أسود الجلد " _ و قد صارت ذريته أشهر قبائل العرب و عُرِفوا بالقوة في الحروب و لا سيما في الرمي بالقوس .
ينبىء أشعياء بأن الددانيين سيتعرضون لخطر الموت و الهلاك فيضطرون الى المبيت فى الوعر ( أو فى الغاب كما فى بعض الترجمات ) هروبآ من تلك الأخطار و يحتاجون الى الماء و الخبز ، و هنا يدعو أشعياء سكان تيماء الى إمدادهم بهما حيث أن القوافل قد أخلت الطريق أمام الغزاة بسيوفهم المسلولة و قسيًهم المشدودة .
و يؤكد أشعياء على لسان الرب أن مجد قيدار سيخبو ، و أبطالهم رماة القسى سيتناقصون فى مدة سنة كسنة الأجير المحددة التى لا تزيد و لا تنقص .
و أما عن إتمام هذه النبوة فقد جاء بالسنن القويم مجلد 8 : " و الأرجح أن النبوة تَمًت بهجوم سرجون على بلاد العرب بعد تاريخ هذه النبوة بسنة "
الإصحاح الثاني و العشرون
يشتمل هذا الإصحاح على :
(1) حصار و تهديد أورشليم ( وادي الرؤيا ) ( عــــد 1_ 14)
(2) عزل شبنا و تعيين الياقيم مكانه ( عــــد 15 _ 25 )
أولا : حصار أورشليم و تهديدها ( عــــد 1 - 14 )
مقدمة تاريخية :
يتنبأ اشعياء هنا عن جيوش أجنبية ستحاصر أورشليم و تهددها بالغزو و قد اختلفت وجهات النظر من جهة تحديد جنسية هؤلاء الأعــــداء و تاريخ حصارهم لأورشليم :
(1) فمعظم المفسرين يشيرون إلى الحصار الذي فرضته جيوش سنحاريب في أيام حزقيا الملك سنة 701 ق.م
(2) و أشار آخرون إلى حصار أورشليم و سقوطها في يد البابليين بأمر نبوخذ نصر _ ذلك الحصار الذي انتهى بسبي اليهود إلى بابل
(3) و قال البعض أن النبوة هنا امتدت إلى حصار أورشليم و خرابها الأخير على أيدي الرومان سنة 70 م
(4) و هناك من اعتبر هذه النبوة عامة يمكن أن تنطبق على جميع ظروف الحصار الذي تكرر حدوثة على أورشليم
و إذا أخذنا بالرأي الأول _ و هو الأرجح _ فإن كلام اشعياء هنا هو توبيخ لسكان أورشليم لطيشهم و استلامهم للهو و الطرب في فترة كانت حرجة و خطيرة و هي الفترة التي جاءت بعــــد سقوط مدن يهوذا أمام جيوش سنحاريب و تهديده لأورشليم و قيام حزقيا بدفع الجزية له ( 2مل 18: 14 _ 16) مما جعله كما يبدو تراجع عن أورشليم و حاصر لخيش ( 2 أخ 32 _ 9 ) فاطمأن الشعب و انغمسوا في أفراحهم إلا أن سنحاريب عاد فبعث بجيوشه بقيادة ترتان و ربساريس لمحاصرة أورشليم ..
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ وَادِي الرُّؤْيَا: فَمَا لَكِ أَنَّكِ صَعــــدتِ جَمِيعاً عَلَى السُّطُوحِ 2يَا مَلآنَةُ مِنَ الْجَلَبَةِ الْمَدِينَةُ الْعَجَّاجَةُ الْقَرْيَةُ الْمُفْتَخِرَةُ؟ قَتْلاَكِ لَيْسَ هُمْ قَتْلَى السَّيْفِ وَلاَ مَوْتَى الْحَرْبِ. 3جَمِيعُ رُؤَسَائِكِ هَرَبُوا مَعاً. أُسِرُوا بِالْقِسِيِّ. كُلُّ الْمَوْجُودِينَ بِكِ أُسِرُوا مَعاً. مِنْ بَعِيدٍ فَرُّوا. 4لِذَلِكَ قُلْتُ: «اقْتَصِرُوا عَنِّي فَأَبْكِي بِمَرَارَةٍ. لاَ تُلِحُّوا بِتَعْزِيَتِي عَنْ خَرَابِ بِنْتِ شَعْبِي»
( عــــد 1 ) :
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ وَادِي الرُّؤْيَا
كانت أورشليم محاطة بالجبل ( مز 125 : 2) فكأنها وادي تكون فيه الرؤيا مكشوفة فتظهر بوضوح كل المعالم و ربما اعتبرها اشعياء " وادي الرؤيا " لأنها المكان الذي رأى فيه رؤياه النبوية .
فَمَا لَكِ أَنَّكِ صَعــــدتِ جَمِيعاً عَلَى السُّطُوحِ
فمالك _ ماذا حدث لك ؟ , أو ماذا ألم بك ؟ لماذا صعــــد سكانك جميعا على سطوح المنازل .
( عــــد 2 , 3) :
2يَا مَلآنَةُ مِنَ الْجَلَبَةِ الْمَدِينَةُ الْعَجَّاجَةُ الْقَرْيَةُ الْمُفْتَخِرَةُ؟
بروح النبوة يرى اشعياء أهل أورشليم و قد صعــــدوا على السطوح و ارتفعت أصواتهم فامتلأت المدينة من الجلبة ( الضجيج) و صارت عجاجة ( مليئة بالصياح ) و مفتخرة .
قَتْلاَكِ لَيْسَ هُمْ قَتْلَى السَّيْفِ وَلاَ مَوْتَى الْحَرْبِ. 3جَمِيعُ رُؤَسَائِكِ هَرَبُوا .....
ينبئهم اشعياء بأن اللذين سيموتون من سكانها لن يكون موتهم في ساحة القتال كجنود بواسل و لكنهم سيموتون من الجوع و الهرب و فى الأسر ...
( عــــد 4) :
. 4لِذَلِكَ قُلْتُ: «اقْتَصِرُوا عَنِّي فَأَبْكِي بِمَرَارَةٍ. لاَ تُلِحُّوا بِتَعْزِيَتِي .....
أمام هذه الأحداث الأليمة ينصرف اشعياء إلى البكاء بمرارة و يرفض التعزية عن خراب بنت شعبه ( أورشليم ) و هنا نتذكر بكاء المسيح عليها .
5 إِنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ فِي وَادِي الرُّؤْيَا يَوْمَ شَغَبٍ وَدَوْسٍ وَارْتِبَاكٍ. نَقْبُ سُورٍ وَصُرَاخٌ إِلَى الْجَبَلِ 6فَعِيلاَمُ قَدْ حَمَلَتِ الْجُعْبَةَ بِمَرْكَبَاتِ رِجَالٍ فُرْسَانٍ. وَقِيرُ قَدْ كَشَفَتِ الْمِجَنَّ. 7فَتَكُونُ أَفْضَلُ أَوْدِيَتِكِ مَلآنَةً مَرْكَبَاتٍ وَالْفُرْسَانُ تَصْطَفُّ اصْطِفَافاً نَحْوَ الْبَابِ.
( عــــد 5 - 7 ) :
في هذه الأعــــداد يصف اشعياء الحصار المرتقب على أورشليم الذي سيترتب علية حدوث شغب و دوس ( اذلال ) و ارتباك ( فوضى ) فينقب سكانها الأسوار و يفزعون إلى الجبال إذ تأتي جيوش عيلام ( حليفة أشور ) و قد حملت الجعبة بسهامها في مركبات و رجال قير ( مدينة ورد ذكرها في 2 مل 16 : 9 ) و قد كشفوا غطاء المجن استعــــدادآ للحرب فامتلأت الأودية من مركبات و فرسان الأشوريين و عم الاضطراب و الفزع في أورشليم و قد أصطف الغزاة حول المدينة و عند أبوابها .
8وَيَكْشِفُ سِتْرَ يَهُوذَا فَتَنْظُرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى أَسْلِحَةِ بَيْتِ الْوَعْرِ. 9وَرَأَيْتُمْ شُقُوقَ مَدِينَةِ دَاوُدَ أَنَّهَا صَارَتْ كَثِيرَةً وَجَمَعْتُمْ مِيَاهَ الْبِرْكَةِ السُّفْلَى. 10وَعــــددْتُمْ بُيُوتَ أُورُشَلِيمَ وَهَدَمْتُمُ الْبُيُوتَ لِتَحْصِينِ السُّورِ. 11وَصَنَعْتُمْ خَنْدَقاً بَيْنَ السُّورَيْنِ لِمِيَاهِ الْبِرْكَةِ الْعَتِيقَةِ. لَكِنْ لَمْ تَنْظُرُوا إِلَى صَانِعِهِ وَلَمْ تَرُوا مُصَوِّرَهُ مِنْ قَدِيمٍ.
ينتقل اشعياء إلى الحديث عن استعــــدادت أهل أورشليم لمقاومة الحصار و هي محاولات فاشلة لأنهم لم يلجأوا إلى الرب ( و إن كان حزقيا قد خالفهم في ذلك و استعان بقوة الهه )
( عــــد 8 ) :
8وَيَكْشِفُ سِتْرَ يَهُوذَا فَتَنْظُرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى أَسْلِحَةِ بَيْتِ الْوَعْرِ.
يُرفَع الستار الذي كان يخفي ضعف يهوذا فيدركون الخطر و يطلبون سلاح بيت الوعر _ و هومخزن الأسلحة الذي كان سليمان قد بناه ( 1مل 10) .
( عــــد 9 - 11) :
9وَرَأَيْتُمْ شُقُوقَ مَدِينَةِ دَاوُدَ أَنَّهَا صَارَتْ كَثِيرَةً وَجَمَعْتُمْ مِيَاهَ الْبِرْكَةِ .....
هنا يستخدم النبي _ بأسلوب بلاغي _ صيغة الماضي قاصدا به تأكيد ما سيتم في المستقبل ، أنهم يرون شقوقا كثيرة في أسوار مدينة داود و كان ذلك إهمالا لما جاء في المزمور " و لتبن أسوار أورشليم " ( مز 50 )
و كانت أولى خطواتهم هي تجميع المياه و تخزينها في البركة السفلى ثم أخذوا في عــــد البيوت لمعرفة ما يمكن الاستغناء عنة و هدمه لاستخدام حجارتها في تحصين السور ، كما صنعوا خندقا بين السورين _ أى خزانا لحفظ و تخزين مياه البركة و في كل ذلك تجاهلوا الرب صانع هذه الأمور و مصورها من قديم .
12وَدَعَا السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى الْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْقَرْعَةِ وَالتَّنَطُّقِ بِالْمِسْحِ 13فَهُوَذَا بَهْجَةٌ وَفَرَحٌ ذَبْحُ بَقَرٍ وَنَحْرُ غَنَمٍ أَكْلُ لَحْمٍ وَشُرْبُ خَمْرٍ! «لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ لأَنَّنَا غَداً نَمُوتُ». 14فَأَعْلَنَ فِي أُذُنَيَّ رَبُّ الْجُنُودِ: «لاَ يُغْفَرَنَّ لَكُمْ هَذَا الإِثْمُ حَتَّى تَمُوتُوا» يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ.
يدعو الرب شعبة للرجوع اليه بالبكاء و النوح و القرعة ( أي حلق شعر الرأس علامة الحزن ) و التنطق بالمسوح و لكنهم يسلكون مسلكا عكسيا فيفرحون و يذبحون و يسكرون و شعارهم " لنأكل و نشرب لأننا غدا نموت " وإزاء هذه القساوة و رفض التجاوب مع نداءات الله المتكررة لهم فإنه يعلن عــــدم غفران اثمهم حتى يموتوا و ذلك بناء على عــــدم توبتهم _ و هذا هو موقف الله من خطية التجديف على الروح القدس .
ثانيا : عزل شيئا و تعيين الياقيم مكانة ( عــــد 15 - 25)
Ø مقدمـــــة :
يتناول هذا الفصل نبوة أعلنها اشعياء بناء على أمر الرب له بعزل شيئا جليس الملك و المشرف على بيته و ذلك لعــــدم أمانته و تعيين الياقيم بن حلقيا مكانة .
و يرى البعض أن هذه النبوة تشير إلى ما هو أبعــــد من ذلك :
(1) فهناك من اعتبرها نبوة عن رفض الموالين لسياسة شبنا و هي عقد التحالف مع الأمم و قيام المتكلين على الرب من أمثال الياقيم .
(2) و هناك من يعتبر نهاية عهد شبنا رمزا لانتهاء العهد القديم و قيام العهد الجديد الذي يمثله الياقيم .
(3) و يرى آخرون أن شبنا هو صورة لضد المسيح الذي سيتم القضاء عليه بظهور المسيح و مجيئه الثاني يمثله ارتفاع الياقيم .
15هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ: «اذْهَبِ ادْخُلْ إِلَى هَذَا جَلِيسِ الْمَلِكِ إِلَى شِبْنَا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ. 16مَا لَكَ هَهُنَا وَمَنْ لَكَ هَهُنَا حَتَّى نَقَرْتَ لِنَفْسِكَ هَهُنَا قَبْراً أَيُّهَا النَّاقِرُ فِي الْعُلُوِّ قَبْرَهُ النَّاحِتُ لِنَفْسِهِ فِي الصَّخْرِ مَسْكَناً؟ 17هُوَذَا الرَّبُّ يَطْرَحُكَ طَرْحاً يَا رَجُلُ وَيُغَطِّيكَ تَغْطِيَةً 18يَلُفُّكَ لَفَّ لَفِيفَةٍ كَالْكُرَةِ إِلَى أَرْضٍ وَاسِعَةِ الطَّرَفَيْنِ. هُنَاكَ تَمُوتُ وَهُنَاكَ تَكُونُ مَرْكَبَاتُ مَجْدِكَ يَا خِزْيَ بَيْتِ سَيِّدِكَ. 19وَأَطْرُدُكَ مِنْ مَنْصِبِكَ وَمِنْ مَقَامِكَ يَحُطُّكَ
كان شبنا يشغل أرفع مركز في قصر حزقيا الملك إذ كان على بيته متصرفا كما كان يوسف على بيت فرعون ( تك 41 : 40 _ اقرأ 1 مل 4: 6 , 18 : 3)
و يؤكد معظم المفسرين أنه كان أجنبيا عن بني بهوذا ( مصري أو سوري الأصل ) و كان رفضة من الرب للأسباب الآتية :
(1) كان مقاوما للرب ظالما للشعب
(2) كان متصفا بالكبرياء و الأنانية و حب التسلط و التعاظم .
(3) كانت سياسته تدعو إلى اتحاد يهوذا مع مصر بدلا من الأتكال على الرب .
Ø الأنباء بطردة :
( عــــد 15 ) :
15هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ: «اذْهَبِ ادْخُلْ إِلَى هَذَا جَلِيسِ الْمَلِكِ ....
كلمة ( هذا ) هنا تدل في الغالب على الاحتقار _ و من الملاحظ أنه لم يذكر لشبنا اسم لأبيه مما يؤكد أنه كان غريبا .
( عــــد 16 ) :
16مَا لَكَ هَهُنَا وَمَنْ لَكَ هَهُنَا حَتَّى نَقَرْتَ لِنَفْسِكَ هَهُنَا قَبْراً ....
كان شبنا بدافع الكبرياء قد نحت لنفسه مقبرة خاصة لأنه كان أجنبيا ليس له أقارب يدفنون معه و قد نحت مقبرته في مكان ظاهر كما كان يفعل الملوك و لذلك فإن اشعياء يسأله : ما هو شأنك و ما هي حقوقك و من هم أقرباؤك وهنا نلاحظ روحيا اهتمام شبنا كأهل العالم بما يخص موتهم و نهايتهم أما أولاد الله فإنهم يهتمون بحياتهم الأبدية .
( عــــد 17 - 19 ) :
17هُوَذَا الرَّبُّ يَطْرَحُكَ طَرْحاً يَا رَجُلُ وَيُغَطِّيكَ تَغْطِيَةً 18يَلُفُّكَ لَفَّ لَفِيفَةٍ ....
سيطرحه الرب و يسقطه من مركزة و يغطيه _ أي يدفنه فتضيع شهرته و يلفه لف لفيفه كالكرة _ أي يلفه هو و مركباته و أمواله كأشياء لا قيمة لها _ إلى أرض واسعة الطرفين , و ربما كانت أشور أو مصر حيث يموت هناك و ينتهي مجدة . و يخاطبه النبي بقوله " يا خزي بيت سيدك " _ أي أنك في وظيفتك جلبت الخزي و الهوان على بيت سيدك .. و هكذا قضى الرب بطرده من منصبه و حط من مقامه
20«وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَدْعُو عَبْدِي أَلِيَاقِيمَ بْنَ حَلْقِيَّا 21وَأُلْبِسُهُ ثَوْبَكَ وَأَشُدُّهُ بِمِنْطَقَتِكَ وَأَجْعَلُ سُلْطَانَكَ فِي يَدِهِ فَيَكُونُ أَباً لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَلِبَيْتِ يَهُوذَا. 22وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ. 23وَأُثَبِّتُهُ وَتَداً فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ وَيَكُونُ كُرْسِيَّ مَجْدٍ لِبَيْتِ أَبِيهِ. 24وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهِ كُلَّ مَجْدِ بَيْتِ أَبِيهِ الْفُرُوعَ وَالْقُضْبَانَ كُلَّ آنِيَةٍ صَغِيرَةٍ مِنْ آنِيَةِ الطُّسُوسِ إِلَى آنِيَةِ الْقَنَّانِيِّ جَمِيعاً. 25فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ يَزُولُ الْوَتَدُ الْمُثَبَّتُ فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ وَيُقْطَعُ وَيَسْقُطُ. وَيُبَادُ الثِّقْلُ الَّذِي عَلَيْهِ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ».
Ø ارتفاع الياقيم :
( عــــد 20 _ 21 ) :
«وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَدْعُو عَبْدِي أَلِيَاقِيمَ بْنَ حَلْقِيَّا .....
في يوم الإطاحة بشبنا يدعو الرب الياقيم بن حلقيا ليحل مكانه و من الملاحظ أن اسم الياقيم في العبرية معناه " من يثبته الله " _ فيلبسه الثوب الرسمي و يشده بالمنطقة و يقلده السلطان و يصير أبا لسكان أورشليم و لبيت يهوذا _ أي مدبرآ لشئونهم و مرشدا لهم ( و كان يوسف دعى أبا لفرعون " تك 45 : 8 بنفس المعنى
( عــــد 22 ) :
22وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ
يشير المفتاح إلى السلطان و النفوذ وإذ يوضع على كتفه فهذا يعني تحمل المسئولية الكبيرة و المهام العامة فيفتح و ليس من يغلق و يغلق و ليس من يفتح _ أي لا يعترض على تصرفاته أحد و لا يوجد من يلغي قراراته ، و لا شك أن هذا الكلام إنما يرمز و يشير إلى صاحب السلطان الألهي الذي له مفتاح الملك في بيت داود الروحي _ أي الكنيسة _ فيفتح و لا أحد يغلق و يغلق و لا أحد يفتح ( رؤ 3 : 7 ) لقد كان حلقيا هنا رمزآ للمسيح الذي له السلطان و السيادة على كل شيء
( عــــد 23 ) :
23وَأُثَبِّتُهُ وَتَداً فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ وَيَكُونُ كُرْسِيَّ مَجْدٍ لِبَيْتِ أَبِيهِ.
الوتد يشير إلى الثبات فيكون مركز الياقيم ثابتا و يكون كرسي مجد و فخر لبيت أبيه فينال أهله شرفا و كرامة لانتسابهم إليه .
( عــــد 24 ) :
24وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهِ كُلَّ مَجْدِ بَيْتِ أَبِيهِ الْفُرُوعَ وَالْقُضْبَانَ ....
في هذا العــــدد استكمال و تفصيل لما جاء بالفقرة الثانية من العــــدد السابق بشأن ما يعود على عائلة الياقيم من المجد و تكريم و يشبهون بالفروع
و القضبان _ أي الأبناء و الأحفاد و الطسوس و القناني ( جمع قنينة ) أي الكبير و الصغير و هذا يذكرنا بالامتيازات العظمى التي آلت إلينا بالمسيح .
( عــــد 25 ) :
25فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ يَزُولُ الْوَتَدُ الْمُثَبَّتُ ....
يرى البعض أن اشعياء هنا يعود إلى شبنا و زوال مجده - و يرى آخرون أن الياقيم أيضا سينتهي زمن رفعته و لعلها نبوة عن سقوط " ضد المسيح "
الإصحاح الثالث و العشرون
في هذا الإصحاح ترد آخر نبوات اشعياء عن الممالك و الأمم و المدن التي كانت لها معاملات مع شعب الله في العهد القديم و هنا تنبأ النبى عن مدينة صور و كانت الميناء الرئيسي على ساحل فينيقيا على بعــــد 40 كيلومتر جنوب صيدون و 45 كيلومترآ شمال عكا .
و كانت صور مدينة قديمة ذكر هيرودوت أنها تأسست سنة 2700 ق.م. و قد أقيمت على جزيرة صخرية تبعــــد عن الشاطئ بمسافة نصف ميل يصلها بالبر رصيف مرصوف بالحجارة .
و اشتهرت عظمتها بالتجارة إذ وصلت سفنها أقاصي العالم القديم و ازدهرت تجارتها جدا حتى تفوقت على " أمها " صيدون و قد ذُكِرت في ( مز 45 ) بنات صور إشارةً إلى عظمتها .
و قد ورد ذكر صور في مناسبات عــــديدة في الكتاب المقدس و قامت بينها و بين اليهود صلات _ فقد أرسل حيرام ملكها عمالا و فنانين إلى داود و إلى سليمان ( 2 صم 5 : 11 ، 1مل 5: 1_ 7 : 13 _9 :11) و قد تنبأ بعض الأنبياء _ عــــدا اشعياء _ عن خرابها ( 1ر 25 :22 , 27 : 2 , 47 : 4 ، حز ص 26 _ 27 , 29 : 18 ، هو 9 : 12 , يوئيل 2: 4 , عا 1 : 9 _ 10 , زك 9 : 2_4) و تمَّت هذه النبوات بحصار نبوخذنصر ثم الأسكندر الذي استولى عليها بعــــد حصار استمر سبعة أشهر و أحُرِقت المدينة بالنار ثم استعادت صور كيانها و كانت في أيام السيد المسيح مدينة كبيرة و قد مَرَّ له المجد بتخومها و تحدث عنها _ و كانت المرأة الكنعانية التي امتدح إيمانها من نواحيها ( مت 11: 21 _ 22 , 15 : 21 _ 28 , مر 3 : 8 , 7 :24_ 31 , لو 6: 17) و اقترن ذكرها بمدينة صيدا ( و هي صيدون القديمة ) و قد صار في صور عــــدد من المسيحيين اجتمع بهم بولس و مكث 7 أيام ( أع 21 : 3_ 6) _و في قرون المسيحية الأولى كانت تلى مدينة أنطاكيه في أهميتها بالنسبة للكرسي الأنطاكي و في ( ف7 ك 8 ) أورد أسابيوس القيصري و صفا لتعذيب و استشهاد كثيرين من أقباط مصر فى صور كانوا قد أُرسِلوا للعمل في فلسطين .
و يشتمل هذا الإصحاح على قسمين :
(1) نبوة بسقوط صور و خرابها ( عــــد 1 _ 14 )
(2) الوعــــد بقيامها و رجوعها ( عــــد 15 _ 18 )
أولا : النبوة بسقوطها و خرابها ( عــــد 1 - 14 )
1وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ صُورَ: وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ لأَنَّهَا خَرِبَتْ حَتَّى لَيْسَ بَيْتٌ حَتَّى لَيْسَ مَدْخَلٌ. مِنْ أَرْضِ كِتِّيمَ أُعْلِنَ لَهُمْ. 2اِنْدَهِشُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. تُجَّارُ صَيْدُونَ الْعَابِرُونَ الْبَحْرَ مَلأُوكِ. 3وَغَلَّتُهَا زَرْعُ شِيحُورَ حَصَادُ النِّيلِ عَلَى مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ فَصَارَتْ مَتْجَرَةً لأُمَمٍ. 4اِخْجَلِي يَا صَيْدُونُ لأَنَّ حِصْنَ الْبَحْرِ نَطَقَ قَائِلاً: «لَمْ أَتَمَخَّضْ وَلاَ وَلَدْتُ وَلاَ رَبَّيْتُ شَبَاباً وَلاَ نَشَّأْتُ عَذَارَى». 5عِنْدَ وُصُولِ الْخَبَرِ إِلَى مِصْرَ يَتَوَجَّعُونَ عِنْدَ وُصُولِ خَبَرِ صُورَ. 6اُعْبُرُوا إِلَى تَرْشِيشَ. وَلْوِلُوا يَا سُكَّانَ السَّاحِلِ. 7أَهَذِهِ لَكُمُ الْمُفْتَخِرَةُ الَّتِي مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ قِدَمُهَا؟ تَنْقُلُهَا رِجْلاَهَا بَعِيداً لِلتَّغَرُّبِ.
( عــــد 1) :
يستهل اشعياء كلامه بتوجيه الحديث إلى سفن ترشيش ( في اسبانيا حيث كان يسكن مهاجرون من صور التي كانت تتبادل معها التجارة ) . و يفيد اشعياء أن خبر خراب صور يُسمعَ من أرض كتيم ( و هي جزيرة قبرص ) و قد ترتب على هذا الخراب عــــدم وجود بيت فى صور و عــــدم إمكانية دخول السفن إلى مينائها إذ أصبحت مداخل الميناء مسدودة من ردم المدينة
( عــــد 2 ) :
يسمع و يندهش جميع سكان ساحل فينيقية لخراب صور التي أغناها و ملأها تجار صيدون بتجارتهم .
( عــــد 3 ) :
ينتقل اشعياء هنا إلى صيغة الغائب بدلا من المخاطَب و يقول إن غلة صور هي زرع شيحور حصاد النيل _ أي أن قمح مصر كان يغمرها _ و شيحور هو اسم للنيل ( 1 أيام 13 : 5 , أر 2 : 18 ) و كان القمح يُنقل بسفن تسير على مياه كثيرة و أصبحت صور متجرة الأمم .
( قيل إن كلمة " شيحور " تعنى فى أصلها " أسود " إشارة إلى طمى النيل – وقال البعض إنها إسم لأحد روافدة )
( عــــد 4 ) :
يخاطب النبي مدينة صيدون لكي تشعر بالخجل لأن صور ( حصن البحر ) كأنها ترثى خسارتها لمستعمراتها و كأنها لم تتمخض و لم تلد إذ لم تعــــد لها علاقات تجارية ببلدان أخرى
( عــــد 5 ) :
يتوجع المصريون لخراب صور و انتهاء مكاسبهم بانقطاع تجارتهم معها
( عــــد 6 ) :
يطلب اشعياء من أهل صور أن يهربوا إلى ترشيش _ أما من يبقون في صور من أهلها فليس لهم إلا النحيب و البكاء .
( عــــد 7 ) :
هنا و كأن النبي يرى بقايا صور فيتساءل : " أهذه لكم المدينة المتفاخرة القديمة و قد صارت كانسانة ضعيفة تحملها قدماها إلى بلاد غريبة ؟ "
8مَنْ قَضَى بِهَذَا عَلَى صُورَ الْمُتَوَّجَةِ الَّتِي تُجَّارُهَا رُؤَسَاءُ؟ مُتَسَبِّبُوهَا مُوَقَّرُو الأَرْضِ. 9رَبُّ الْجُنُودِ قَضَى بِهِ لِيُدَنِّسَ كِبْرِيَاءَ كُلِّ مَجْدٍ وَيُهِينَ كُلَّ مُوَقَّرِي الأَرْضِ. 10اِجْتَازِي أَرْضَكِ كَالنِّيلِ يَا بِنْتَ تَرْشِيشَ. لَيْسَ حَصْرٌ فِي مَا بَعــــد. 11مَدَّ يَدَهُ عَلَى الْبَحْرِ. أَرْعــــد مَمَالِكَ. أَمَرَ الرَّبُّ مِنْ جِهَةِ كَنْعَانَ أَنْ تُخْرَبَ حُصُونُهَا. 12وَقَالَ: «لاَ تَعُودِينَ تَفْتَخِرِينَ أَيْضاً أَيَّتُهَا الْمُنْهَتِكَةُ الْعَذْرَاءُ بِنْتُ صَيْدُونَ. قُومِي إِلَى كِتِّيمَ. اعْبُرِي. هُنَاكَ أَيْضاً لاَ رَاحَةَ لَكِ». 13هُوَذَا أَرْضُ الْكِلْدَانِيِّينَ. هَذَا الشَّعْبُ لَمْ يَكُنْ. أَسَّسَهَا أَشُّورُ لأَهْلِ الْبَرِّيَّةِ. قَدْ أَقَامُوا أَبْرَاجَهُمْ. دَمَّرُوا قُصُورَهَا. جَعَلَهَا رَدْماً. 14وَلْوِلِي يَا سُفُنَ تَرْشِيشَ لأَنَّ حِصْنَكِ قَدْ أُخْرِبَ.
( عــــد 8 , 9) :
يتساءل اشعياء عمن قضى بهذا الخراب على صور المتوجة (التي تعطي التيجان ) التي كان تجارها رؤساء و كان متكسبوها كرام الأرض !!
_ إنه رب الجنود الذي قضى بتحطيم كبرياء صور .
( عــــد 10 - 12 ) :
يبشر النبي أهل ترشيش التي كانت صور متسلطة عليهم بأن يجتازوا متنقلين بحرية كانسياب النيل لأنة لن يكون حصر فيما بعــــد أي لن يكون هناك ما يُقيِد حريتها فقد مد الله يده لخراب حصون كنعان و المقصود هنا صور فإنها " بنت صيدون " العذراء المتهتكة أي التي فقدت شرفها بهزيمتها فلن تعود تفتخر و لن تجد راحتها في كتيم .
( عــــد 13 - 14 ) :
يشير اشعياء إلى الكلدانيين كشعب برية لم يكن له شأن و لا سيادة ولكنهم سيهجمون على صور و يدمرونها فلتولول سفن ترشيش لخراب حصنها
ثانيا : الوعــــد بقيام صور و رجوعها ( عــــد 15 - 18 )
في الأعــــداد السابقة استخدم اشعياء أسلوبا شاعريا في التنبؤ بسقوط صور وخرابها و هنا _ بلغة النثر _ يتنبأ بارتفاع صور من الرماد لتعود إلى عمرانها
وازدهار تجارتها و حصولها على أرباح تقدمها قدسآ للرب .
15وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ صُورَ تُنْسَى سَبْعِينَ سَنَةً كَأَيَّامِ مَلِكٍ وَاحِدٍ. مِنْ بَعــــد سَبْعِينَ سَنَةً يَكُونُ لِصُورَ كَأُغْنِيَةِ الزَّانِيَةِ. 16خُذِي عُوداً. طُوفِي فِي الْمَدِينَةِ أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ الْمَنْسِيَّةُ. أَحْسِنِي الْعَزْفَ أَكْثِرِي الْغِنَاءَ لِكَيْ تُذْكَرِي. 17وَيَكُونُ مِنْ بَعــــد سَبْعِينَ سَنَةً أَنَّ الرَّبَّ يَتَعَهَّدُ صُورَ فَتَعُودُ إِلَى أُجْرَتِهَا وَتَزْنِي مَعَ كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلاَدِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ. 18وَتَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْساً لِلرَّبِّ. لاَ تُخْزَنُ وَلاَ تُكْنَزُ بَلْ تَكُونُ تِجَارَتُهَا لِلْمُقِيمِينَ أَمَامَ الرَّبِّ لأَكْلٍ إِلَى الشَّبَعِ وَلِلِبَاسٍ فَاخِرٍ.
( عــــد 15 ) :
15وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ صُورَ تُنْسَى سَبْعِينَ سَنَةً
تظل صور منسية لا وجود لها في فكر الناس و لا مكانة لها أو أعتبار سبعين سنة .
_ و يرى كثيرون أن هذه المدة حرفية بدأت بحكم نبوخذنصر ملك بابل و انتهت بقيام دولة الفرس و يعتبرون هذه المدة مقابلة لمدة سبي يهوذا و هي تتمشى مع نبوة ارميا " و تخدم هذه الشعوب ملك بابل سبعين سنة " ( 25 : 11 ) و قد ذكر أرميا مدينة صور ضمن هذه الشعوب ( 25 : 22)
_ و يرى آخرون أن السبعين سنة هي مدة رمزية تشير إلى فترة طويلة كما جاء في ( تك4 : 24) أنه ينتقم للامك سبعة و سبعين و في ( مت 18 : 22) إلى سبعين مرة سبع مرات
كَأَيَّامِ مَلِكٍ وَاحِدٍ.
أي أن حالة الكساد و الانحطاط التي تكون عليها صور خلال تلك المدة تبقى ثابتة غير متغيرة كما كانت سياسة الملوك القدماء و طرق حكمهم لا تتغير .
مِنْ بَعــــد سَبْعِينَ سَنَةً يَكُونُ لِصُورَ كَأُغْنِيَةِ الزَّانِيَةِ.
هنا يشبه اشعياء مدينة صور بامرأه زانية _ كما شُبِهت مدينة نينوى في ( ناحوم 3: 4) و مدينة بابل في ( رؤ 18: 3) _ و يشير النبي إلى أغنية لعلها كانت شائعة بيت تلك الأوساط في زمانة .
( عــــد 16 ) :
16خُذِي عُوداً. طُوفِي فِي الْمَدِينَةِ أَيَّتُهَا الزَّانِيَةُ الْمَنْسِيَّةُ....
تتضمن كلمات هذا العــــدد بعض فقرات الأغنية المشار إليها في العــــدد السابق و هي أغنية كانت ترددها امرأة زانية قد تقدمت في عمرها و أصبحت مَنسية و مهملة و هي تخاطب نفسها بلغة الرثاء و الحزن لكي تلفت أنظار الناس اليها بغنائها و موسيقاها حتى يعود الناس إلى ذكرها
و المقصود بذلك أن صور تعود إلى استخدام أساليبها لاستعادة نشاطها التجاري كما تفعل زانية منسية بالموسيقى و الغناء للإغراء و جذب الأنظار إليها .
( عــــد 17 ) :
17وَيَكُونُ مِنْ بَعــــد سَبْعِينَ سَنَةً أَنَّ الرَّبَّ يَتَعَهَّدُ صُورَ فَتَعُودُ إِلَى أُجْرَتِهَا
هنا يترك اشعياء الكلام عن الأغنية و يستأنف نبوته عن صور التي سيفتقدها الرب بعــــد سبعين سنة و لكن ليس بالعقاب بل بالرحمة و الإحسان ...
_ ستعود إلى أجرتها _ أي إلى تجارتها و نشاطها الاقتصادي مع البلاد المختلفة و البعيدة ....
وَتَزْنِي مَعَ كُلِّ مَمَالِكِ الْبِلاَدِ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.
_ لماذا يعود النبي إلى استخدام هذه الكلمة " تزني " بعــــد أفتقاد الرب لها ؟
_ ربما لأنها ستعود إلى ممارسة نشاطها التجاري سعيآ وراء نفعها الشخصي و تحقيقا لمجدها الذي تريد استعادته _ و كأن درس محنتها لم ترتفع بفائدته إلى مستوى النضوج في المعرفة .... و لا يفوتنا أن النبي استخدم هذه الكلمة باعتبارها تصف ما كانت علية صور سابقا و أمثلة ذلك كثيرة :
+ فقد أُطلِق على متى لقب العشار ( مت 10 : 3 ) رغم أنه كان قد ترك هذه الوظيفة و صار تلميذا للمسيح .
+ و قيل عن لعازر " فخرج الميت " ( يو 1 : 44 ) وذلك بعــــد أن كان قد قام من الموت .
+ و قال المسيح له المجد " اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم"(لو 16: 9) بالنظر إلى طبيعته بصفة عامة ، رغم أن أولاد الله لا يقتنون مالآ بطريق الظلم و لا يجوز تقديم شيء منه للرب ( تث 23 : 18 ).
( عــــد 18 ) :
18وَتَكُونُ تِجَارَتُهَا وَأُجْرَتُهَا قُدْساً لِلرَّبِّ
تصير أرباح هذه التجارة خالية من الغش و التلاعب و تستخدم لأغراض الخير .
وَلاَ تُكْنَزُ بَلْ تَكُونُ تِجَارَتُهَا لِلْمُقِيمِينَ أَمَامَ الرَّبِّ لأَكْلٍ إِلَى الشَّبَعِ وَلِلِبَاسٍ الفَاخِرٍ
تتغير الأمور بالنسبة لصور فلا تُدًخر و لا تٌكتَنز ثروتها بل تتحول تجارتها لتوفير غذاء مشبع و ثياب فاخرة للساكنين أمام الرب أي خدام بيته من الكهنة و اللاويين , الذين يدبر الرب احتياجاتهم من طعام و لباس يناسب خدمتهم السامية. أما عن إتمام هذه النبوة ، فإن البعض يرى إتمامها ماديا حينما خدم الصوريون في بناء الهيكل بعــــد العودة من السبي ( عزرا 3 : 7 ) و يرى آخرون إتمامها روحيا في العصر المسيحي حينما انتشرت في صور و قدم مؤمنوها عطايا قلوبهم للرب .
الجزء الرابع
من الإصحاح الرابع و العشرين إلى السابع و العشرين
قضاء عام مع وعــــد ( الفصل الأول )
Ø مقدمة عامة عن هذا الجزء :
في الإصحاحات السابقة ( 13 _ 23 ) وَجه اشعياء النبي انذاراته مصحوبة بالويلات بصورة فردية إلى عشر أمم و هي : بابل , فلسطين , موآب , دمشق , اثيوبيا , مصر , أدوم , بلاد العرب , اليهودية , صور .
و هنا ينتقل من التخصيص إلى التعميم فيتكلم عن قضاء عام على العالم بأجمعة و كأنه بهذة الأصحاحات يعطي ختاما مجملا لما سبق من نبوات .
ان اشعياء يعلن في هذه الأصحاحات قضاء عامآ على عالم واحد يجمع فية هذه الشعوب بما فيها اليهود يعقبه عالم يسوده خلاص عام ( ص 25 : 6 _ 8 , 26 :9 و 21 , 27 1و6 ) فيه تنجو البقية الناجية من أربع زوايا الأرض و تشيد بمجد الرب و جلال عظمته .
و يرى بعض المفسرين في مضمون هذه الأصحاحات انتقالآ من التاريخ إلى المستقبل البعيد أي صورة للدينونة العامة و قيام الملكوت .
الأصحاح الرابع العشرون
يمكننا تقسيم هذا الأصحاح إلى :
1_ خراب الأرض ( عــــد 1 _ 12 )
2_ بقاء بقية قليلة ( عــــد 13 _ 15 )
3_ ملكوت الله مسبوقا بالأحكام ( عــــد 16 _ 23 )
أولا : خراب الأرض ( عــــد1 - 12 )
1هُوَذَا الرَّبُّ يُخْلِي الأَرْضَ وَيُفْرِغُهَا وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا وَيُبَدِّدُ سُكَّانَهَا. 2وَكَمَا يَكُونُ الشَّعْبُ هَكَذَا الْكَاهِنُ. كَمَا الْعَبْدُ هَكَذَا سَيِّدُهُ. كَمَا الأَمَةُ هَكَذَا سَيِّدَتُهَا. كَمَا الشَّارِي هَكَذَا الْبَائِعُ. كَمَا الْمُقْرِضُ هَكَذَا الْمُقْتَرِضُ. وَكَمَا الدَّائِنُ هَكَذَا الْمَدْيُونُ. 3تُفْرَغُ الأَرْضُ إِفْرَاغاً وَتُنْهَبُ نَهْباً لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْقَوْلِ. 4نَاحَتْ ذَبُلَتِ الأَرْضُ. حَزِنَتْ ذَبُلَتِ الْمَسْكُونَةُ. حَزِنَ مُرْتَفِعُو شَعْبِ الأَرْضِ. 5وَالأَرْضُ تَدَنَّسَتْ تَحْتَ سُكَّانِهَا لأَنَّهُمْ تَعَدوا الشَّرَائِعَ غَيَّرُوا الْفَرِيضَةَ نَكَثُوا الْعَهْدَ الأَبَدِيَّ. 6لِذَلِكَ لَعْنَةٌ أَكَلَتِ الأَرْضَ وَعُوقِبَ السَّاكِنُونَ فِيهَا. لِذَلِكَ احْتَرَقَ سُكَّانُ الأَرْضِ وَبَقِيَ أُنَاسٌ قَلاَئِلُ. 7نَاحَ الْمِسْطَارُ. ذَبُلَتِ الْكَرْمَةُ. أَنَّ كُلُّ مَسْرُورِي الْقُلُوبِ. 8بَطَلَ فَرَحُ الدُّفُوفِ. انْقَطَعَ ضَجِيجُ الْمُبْتَهِجِينَ. بَطَلَ فَرَحُ الْعُودِ. 9لاَ يَشْرَبُونَ خَمْراً بِالْغِنَاءِ. يَكُونُ الْمُسْكِرُ مُرّاً لِشَارِبِيهِ. 10دُمِّرَتْ قَرْيَةُ الْخَرَابِ. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ عَنِ الدُّخُولِ. 11صُرَاخٌ عَلَى الْخَمْرِ فِي الأَزِقَّةِ. غَرَبَ كُلُّ فَرَحٍ. انْتَفَى سُرُورُ الأَرْضِ. 12اَلْبَاقِي فِي الْمَدِينَةِ خَرَابٌ وَضُرِبَ الْبَابُ رَدْماً.
( عــــد 1 ) :
1هُوَذَا الرَّبُّ يُخْلِي الأَرْضَ وَيُفْرِغُهَا وَيَقْلِبُ وَجْهَهَا وَيُبَدِّدُ سُكَّانَهَا
يتنبأ اشعياء بأن سيخلى الأرض لا أرض يهوذا فقط بل و غيرها من الممالك ويقلب وجهها فلا يبقى بها شيء و قد تم ذلك بالنسبة لبلاد هذه المنطقة أكثر من مرة على أيدي ملوك أشور و بابل و مصر و غيرها .
( عــــد 2 ) :
2وَكَمَا يَكُونُ الشَّعْبُ هَكَذَا الْكَاهِنُ. كَمَا الْعَبْدُ هَكَذَا سَيِّدُهُ....
أي أن الخراب يعم جميع الناس بلا استثناء _ فلا يتميز الكاهن على الشعب و لا السيد على العبد ... الخ.
( عــــد 3 ) :
3تُفْرَغُ الأَرْضُ إِفْرَاغاً وَتُنْهَبُ نَهْباً لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِهَذَا الْقَوْلِ
تشبه هذه البلاد في خرابها باناء يفرغ و يصبح فارغا لا يحتوي على شيء و لا شك أن الخطية تدمر حياة الإنسان و تسلبه كل شيء له قيمة حقيقية
( عــــد 4 ) :
. 4نَاحَتْ ذَبُلَتِ الأَرْضُ. حَزِنَتْ ذَبُلَتِ الْمَسْكُونَةُ. حَزِنَ مُرْتَفِعُو شَعْبِ الأَرْضِ
تذبل الأرض كما تذبل الزهرة و يحزن مرتفعو شعبها أي عظماؤها .
( عــــد 5 ) :
5وَالأَرْضُ تَدَنَّسَتْ تَحْتَ سُكَّانِهَا لأَنَّهُمْ تَعـدوا الشَّرَائِعَ ......
يكشف النبي عن سبب ذلك و هو خطايا سكان الأرض الذين دنسوها بتعــــدياتهم على الشرائع و تلاعبهم بالوصية و خيانتهم للعهد الأبدي .
لقد دَنسوا الأرض بالخطية ( عــــد 35 : 33 , تث 21 : 19 , مز 106 : 38 ) لأن الله أقام الإنسان على الأرض لتمجيد اسمه و لكنه بالخطية يدنسها أما عن الشريعة و الوصية بالنسبة للأمم فكانت ناموس الله المكتوب في قلوبهم ( رو 2 : 15 ) بحسب ما تقودهم إليه ضمائرهم .
و أما عن العهد فقد سبق أن أعطاه الله لنوح أب البشر بما فيهم الأمم من بعــــد الطوفان ( تك9 : 8)
( عــــد 6 ) :
. 6لِذَلِكَ لَعْنَةٌ أَكَلَتِ الأَرْضَ وَعُوقِبَ السَّاكِنُونَ فِيهَا ....
تأكل اللعنة الأرض و يتلاشى سكانها كما يتلاشى الهشيم بالنار و لكن تبقى بقية قليلة من الناس .
( عــــد 7 - 9 ) :
. 7نَاحَ الْمِسْطَارُ. ذَبُلَتِ الْكَرْمَةُ. أَنَّ كُلُّ مَسْرُورِي الْقُلُوبِ....
في هذه الأعــــداد يصف اشعياء زوال الأفراح و اختفاء البهجة و الطرب من بين الناس حتى في المواسم و المناسبات التى كانت تصحبها ألوان الفرح و السرور .... فقد ناح المسطار ( أول عصير العنب ) و ذبلت الكرمة _ أي لم تعــــد للناس مصادر و بواعث الفرح كما تعودوا عند حصاد الكروم . فبطُل استخدام الدفوف والغناء على العود و توقف شرب الخمر ابتهاجا بتلك المناسبات و صار الخمر مرآ لشاربيه و هكذا ملك الحزن على الجميع .
( عــــد 10 ) :
10دُمِّرَتْ قَرْيَةُ الْخَرَابِ. أُغْلِقَ كُلُّ بَيْتٍ عَنِ الدُّخُولِ
يرجح أن قرية الخراب لا يقصد بها بلدة معينة بل مدن كثيرة يسودها الخراب ويعمها الدمار .
( عــــد 11 - 12 ) :
11صُرَاخٌ عَلَى الْخَمْرِ فِي الأَزِقَّةِ. غَرَبَ كُلُّ فَرَحٍ.....
يحاول الناس أن يتناسوا شدائدهم بتناول الخمر فيتصاعــــد صراخهم عليها في الأزقة فلا يجدونها و يختفي فرحهم كما تغرب الشمس و تتحطم الأبواب فتصير ردمآ .
ثانيا : بقاء بقية قليلة ( عــــد 13- 15 )
13إِنَّهُ هَكَذَا يَكُونُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ بَيْنَ الشُّعُوبِ كَنُفَاضَةِ زَيْتُونَةٍ كَالْخُصَاصَةِ إِذِ انْتَهَى الْقِطَافُ. 14هُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَتَرَنَّمُونَ. لأَجْلِ عَظَمَةِ الرَّبِّ يُصَوِّتُونَ مِنَ الْبَحْرِ. 15لِذَلِكَ فِي الْمَشَارِقِ مَجِّدُوا الرَّبَّ. فِي جَزَائِرِ الْبَحْرِ مَجِّدُوا اسْمَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ.
( عــــد 13 ) :
13إِنَّهُ هَكَذَا يَكُونُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ بَيْنَ الشُّعُوبِ كَنُفَاضَةِ زَيْتُونَةٍ ....
يتحدث النبي عن بقية في وسط الأرض و من بين جميع الشعوب و ليس من اليهود فقط و هذه البقية التي تنجو من الخراب المذكور سابقا تضم قليلين يشبًههم الوحي بنفاضة زيتونة أو الخصاصة إذا انتهى القطاف ، والنفاضة هى الثمر المتبقى فى الشجرة بعد قطافها و الخصاصة بنفس المعنى هي ما يتبقى في الكرمة بعــــد قطاف العنب ...
( عــــد 14 , 15 ) :
14هُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَيَتَرَنَّمُونَ. لأَجْلِ عَظَمَةِ الرَّبِّ يُصَوِّتُونَ مِنَ الْبَحْرِ...
هؤلاء الذين يكونون البقية القليلة الباقية يرفعون أصواتهم بالترنم و تمجيد عظمة الرب الذي يمجدونه في المشارق و في جزائر البحر ( غربآ )ذاكرين رحمته و مواعيده .... و هكذا وسط ضجيج الخراب و المحن و الدمار و الأحزان العميقة ترتفع أصوات التهليل و التسبيح و الترنيم للرب ....
ثالثا : ملكوت الله مسبوقا بالأحكام ( عــــد 16 - 23 )
16مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً: «مَجْداً لِلْبَارِّ». فَقُلْتُ: «يَا تَلَفِي! يَا تَلَفِي! وَيْلٌ لِي! النَّاهِبُونَ نَهَبُوا. النَّاهِبُونَ نَهَبُوا نَهْباً». 17عَلَيْكَ رُعْبٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ يَا سَاكِنَ الأَرْضِ. 18وَيَكُونُ أَنَّ الْهَارِبَ مِنْ صَوْتِ الرُّعْبِ يَسْقُطُ فِي الْحُفْرَةِ وَالصَّاعد مِنْ وَسَطِ الْحُفْرَةِ يُؤْخَذُ بِالْفَخِّ. لأَنَّ مَيَازِيبَ مِنَ الْعَلاَءِ انْفَتَحَتْ وَأُسُسَ الأَرْضِ تَزَلْزَلَتْ. 19اِنْسَحَقَتِ الأَرْضُ انْسِحَاقاً. تَشَقَّقَتِ الأَرْضُ تَشَقُّقاً. تَزَعْزَعَتِ الأَرْضُ تَزَعْزُعاً. 20تَرَنَّحَتِ الأَرْضُ تَرَنُّحاً كَالسَّكْرَانِ وَتَدَلْدَلَتْ كَالْعِرْزَالِ وَثَقُلَ عَلَيْهَا ذَنْبُهَا فَسَقَطَتْ وَلاَ تَعُودُ تَقُومُ. 21وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ الْعَلاَءِ فِي الْعَلاَءِ وَمُلُوكَ الأَرْضِ عَلَى الأَرْضِ. 22وَيُجْمَعُونَ جَمْعاً كَأَسَارَى فِي سِجْنٍ وَيُغْلَقُ عَلَيْهِمْ فِي حَبْسٍ. ثُمَّ بَعد أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ. 23وَيَخْجَلُ الْقَمَرُ وَتُخْزَى الشَّمْسُ لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ.
( عــــد 16 ) :
16مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ سَمِعْنَا تَرْنِيمَةً: «مَجْداً لِلْبَارِّ».
و هنا يوضح اشعياء أن البقية الناجية ليست قاصرة على أمة معينة بل من أطراف الأرض يُسمع ترنيم هذه البقية تقول ( مجدآ للبار ) _ و يرى البعض أن البار هنا يمثل الأبرار من البشر الذين بنالون تمجيد الرب و تكريمة لهم و لكن الأرجح أن المقصود هنا هو الرب نفسه.
فَقُلْتُ: «يَا تَلَفِي! يَا تَلَفِي! وَيْلٌ لِي! النَّاهِبُونَ نَهَبُوا....
كان رد الفعل لما رآه اشعياء و سمعه أنه تأسف بحزن عميق لأن الناهبين نهبوا و سلبوا فهلك الكثيرون .. فصاح اشعياء بلغة الرثاء الأليم لنفسه ( يا تلفي يا تلفي ويل لي ...) أن كل كلام اشعياء النبي هو معبرا عن مشاعرة يذكرنا بما عًبر عنه الرسول العظيم بولس الرسول من جهة حزنة على هلاك بني أمته في قساوة قلوبهم و عــــدم ايمانهم ( رو 9 : 1 _ 3 ) .
( عــــد 17 - 20 ) :
». 17عَلَيْكَ رُعْبٌ وَحُفْرَةٌ وَفَخٌّ يَا سَاكِنَ الأَرْضِ.....
في هذه الأعــــداد يصف النبي أهوال الخراب الذى سيكون على ساكنى الأرض فإنهم سيواجهون الرعب و السقوط فى الحفرة و الفخ .... و من يهرب من صوت الرعب يسقط فى الحفرة ، و الصاعد من وسط الحفرة يؤخذ بالفخ ..... لأن ميازيب من العلاء – أى مصائب كثيرة كما لو كانت طوفانآ – إنفتحت فتنسحق الأرض ، وتتشقق و تتزعزع و تتنرنح كالسكران ، و تتدلدل كالعرزال ( الأرجوحة ) فتسقط ولا تعود تقوم ....
( عــــد 21 - 23 ) :
في هذه الأعــــداد يتحدث النبي عما يلحق بعظماء هذا العالم من دينونة و إعلان مجد الرب الذي تختفي أمام أمجاده كل أمجاد هذا الزمان . و يتخذ معظم المفسرين هذا الكلام كنبوة عما سيحدث فعلا في نهاية الزمان غير أن هناك من يعتبرون هذا الكلام وصفآ عاديآ لما يتكرر حدوثة من سقوط الممالك و القوى العاليمة و ضياع مجدها في حضرة ملك الملوك و رب الأرباب .
v و في عــــد ( 21) يقول اشعياء :-
21وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ الْعَلاَءِ فِي الْعَلاَءِ وَمُلُوكَ الأَرْضِ عَلَى الأَرْضِ.
و في تفسير المقصود بجند العُلاء أكثر من رأي :
(1) فظن بعضهم أنهم أصحاب المراكز السامية و المرتفعة من البشر كالملوك وأصحاب السلطان ماديا أو معنويا .
(2) و قال آخرون أنهم الأرواح التي تدافع عن الأمم ( دا 10 : 13 , 20 , 21 ) ويرد على هذا الرأي بأن هذه الأرواح لم تخطئ .
(3) والأرجح أنهم الأرواح الساقطة الذين وصفهم الرسول بولس بأنهم أجناد الشر الروحية في السماويات ( أف 6 : 12 ) _ و قد قال عنهم الرسول
بطرس " لأنه إن كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلمهم محروسين للقضاء ( 2 بط 2 : 4 ) و قال
الرسول يهوذا " و الملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم إلى دينونة اليوم العظيم بقيود أبدية تحت الظلام ( يه 6 )
و في ( عــــد 22 ) يقول النبي عنهم أنهم يجمعون جمعا كأسارى في سجن و يغلق عليهم في حبس - أي الهاوية بمعنى حرفي أو بالمعنى المجازي إذلالهم وانحطاطهم و يستكمل النبي " ثُمَّ بَعــــد أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَهَّدُونَ " أي يفتقدون بالعقاب ( و قد استعملت هذه الكلمة بنفس المعنى في العــــدد السابق ) .
ثم يختتم النبي هذا الإصحاح بالعــــدد ( 23 ) الذي يصف ما يحدث للقمر و الشمس إذ يخجل الأول و تخزى الثانية و قد يكون المقصود هنا ما سيحدث من ظواهر في الطبيعة تسبق مجيء المسيح ( يؤ 2 : 31 , 3 : 15 _ مت 24 : 29 _ رؤ 6 : 12 )
لأَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ قَدْ مَلَكَ فِي جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَفِي أُورُشَلِيمَ.
و هما هنا المعنى الروحي و السماوي و ليس بالمعنى الأرضي
وَقُدَّامَ شُيُوخِهِ مَجْدٌ.
و الشيوخ هم فى نور العهد الجديد خدام الرب الأمناء الذين يمثلهم لأربعة و العشرون قسيسا ( رؤ 4 : 10 , 5 : 8 _ 14)
الإصحاح الخامس و العشرون
ينتقل النبي اشعياء من إنذارات الخراب و الدينونة على العالم إلى التسبيح و الحمد لقيام ملكوت الله و قد سبق لهذا النبي في الإصحاح الثاني عشر أن أنشد أغنية شكر لقيام ملكوت المسيا بعــــد سقوط ممالك الشر _ و ها هو هنا أيضا بعــــد إعلان القضاء الألهي في الإصحاح السابق ينطلق لسانه بالتسبيح مشاركا البقية لناجية فرحتها بقيام ملكوت الله السماوي ( ص 24 : 14 )
Ø و ينقسم هذا الإصحاح إلى ثلاثة أقسام :
(1) تهليل الخلاص ( عــــد 1_ 5 )
(2) البركات الممنوحة ( عــــد 6 _ 8 )
(3) تعظيم ما تحقق من أمان ( عــــد 9 _ 12 )
أولا : تهليل الخلاص ( عــــد 1 - 5 )
1يَا رَبُّ أَنْتَ إِلَهِي أُعَظِّمُكَ. أَحْمَدُ اسْمَكَ لأَنَّكَ صَنَعْتَ عَجَباً. مَقَاصِدُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ أَمَانَةٌ وَصِدْقٌ. 2لأَنَّكَ جَعَلْتَ مَدِينَةً رُجْمَةً. قَرْيَةً حَصِينَةً رَدْماً. قَصْرَ أَعَاجِمَ أَنْ لاَ تَكُونَ مَدِينَةً. لاَ يُبْنَى إِلَى الأَبَدِ. 3لِذَلِكَ يُكْرِمُكَ شَعْبٌ قَوِيٌّ وَتَخَافُ مِنْكَ قَرْيَةُ أُمَمٍ عُتَاةٍ. 4لأَنَّكَ كُنْتَ حِصْناً لِلْمِسْكِينِ حِصْناً لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ مَلْجَأً مِنَ السَّيْلِ ظِلاًّ مِنَ الْحَرِّ إِذْ كَانَتْ نَفْخَةُ الْعُتَاةِ كَسَيْلٍ عَلَى حَائِطٍ. 5كَحَرٍّ فِي يَبَسٍ تَخْفِضُ ضَجِيجَ الأَعَاجِمِ. كَحَرٍّ بِظِلِّ غَيْمٍ يُذَلُّ غِنَاءُ الْعُتَاةِ.
( عــــد 1 ) :
1يَارَبُّ أَنْتَ إِلَهِي أُعَظِّمُكَ. أَحْمَدُ اسْمَكَ لأَنَّكَ صَنَعْتَ عَجَباً
بعين النبوة رأى اشعياء سقوط الأمم المعادية للرب و انتصار الرب على قوى الشر فينطلق لسانه معظما أسم الرب الهه الوحيد صانع القوات و العجائب .
. مَقَاصِدُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ أَمَانَةٌ وَصِدْقٌ
إن عجائب الله لم _ و لن _ تحدث مصادفة أو اندفاعا أو وليدة الظروف حاشا _ أنها مقاصد الهية لها تدبيرها الأزلي و هي في إتمامها تعلن أمانة الله و صدق مواعيده .
( عــــد 2 ) :
2لأَنَّكَ جَعَلْتَ مَدِينَةً رُجْمَةً. قَرْيَةً حَصِينَةً رَدْماً....
لم يحدد النبي مدينة باسمها أو قرية معينة أو قصرا بالذات - فالأرجح أنه قصد التعميم لا التحديد فكل المدن و القرى و القصور بسكانها الأشرار قد صارت أكوام ركام و أطلالا لن يعود بناؤها .
( عــــد 3 ) :
3لِذَلِكَ يُكْرِمُكَ شَعْبٌ قَوِيٌّ وَتَخَافُ مِنْكَ قَرْيَةُ أُمَمٍ عُتَاةٍ.
إذ تقع دينونة الله على الشعوب والأمم الأقوياء والعتاة يرجع بعضهم نادمين تائبين إلى الرب فيكرمونه و يخشونه .
( عــــد 4 ) :
لأَنَّكَ كُنْتَ حِصْناً لِلْمِسْكِينِ حِصْناً لِلْبَائِسِ فِي ضِيقِهِ مَلْجَأً مِنَ السَّيْلِ
قصد اشعياء بهذه التعبيرات البليغة عناية الرب بشهوده الأمناء الذين تعرضوا للشدائد فكان لهم حصنا و ملجأ و ظلا يحتمون فيه و لا شك أن هذه العناية الالهية ممتدة و مستمرة بالنسبة لأولاده الأمناء في كل زمان و مكان و قد قال المرنم : " الرب حافظك الرب ظل لك عن يدك اليمنى " ( مز 121 : 5 ) .
إِذْ كَانَتْ نَفْخَةُ الْعُتَاةِ كَسَيْلٍ عَلَى حَائِطٍ.
أي أن محاولات الأشرار ضد أولاد الله لا تحقق أغراضها كما يرتطم السيل بجدار يمنع تدفقه و يوقف مسيرته .
( عــــد 5 ) :
5كَحَرٍّ فِي يَبَسٍ تَخْفِضُ ضَجِيجَ الأَعَاجِمِ. كَحَرٍّ بِظِلِّ غَيْمٍ يُذَلُّ غِنَاءُ الْعُتَاةِ.
يتكلم اشعياء عن ضجيج الأمم و غناءهم بانتصاراتهم الزائلة فيشبهها بالحر الشديد في أرض جافة بلا رطوبة و لكن الله يبعــــد تأثير ذلك الحر
_ و كيف يتم ذلك ؟
_ و الجواب في الفقرة الثانية حيث يذكر تشبيهآ لكيفية إتمام ذلك و هو وجود ظل السحب الذي يُبِعــــد تأثير حرارة الشمس .
و هكذا يُسكِت الرب ضجيج الأمم العاتية و غناءهم و فرحهم بأعمالهم .
ثانيا : البركات الممنوحة ( عــــد 6 - 8 )
6وَيَصْنَعُ رَبُّ الْجُنُودِ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ وَلِيمَةَ خَمْرٍ عَلَى دُرْدِيٍّ سَمَائِنَ مُمِخَّةٍ دُرْدِيٍّ مُصَفّىً. 7وَيُفْنِي فِي هَذَا الْجَبَلِ وَجْهَ النِّقَابِ . النِّقَابِ الَّذِي عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ وَالْغِطَاءَ الْمُغَطَّى بِهِ عَلَى كُلِّ الأُمَمِ. 8يَبْلَعُ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ وَيَمْسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَيَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ عَنْ كُلِّ الأَرْضِ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ.
( عــــد 6 ) :
6وَيَصْنَعُ رَبُّ الْجُنُودِ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلِيمَةَ سَمَائِنَ .....
يدعو الرب جبل صهيون _ أي الكنيسة _ جميع الشعوب إلى وليمة مسمنات ممخة ( دسمة و لذيذة كطعم المخ داخل العظام ) _ وليمة خمر على دردي أي خمر معتقة قوية بما فيها من ثفل و رواسب و هنا نبوة رمزية لسر التناول .
( عــــد 7 ) :
7وَيُفْنِي فِي هَذَا الْجَبَلِ وَجْهَ النِّقَابِ . النِّقَابِ الَّذِي عَلَى كُلِّ الشُّعُوبِ .....
تزول الغشاوة عن عيون الأمم و الشعوب فتستنير اذهانهم بالأيمان بالمسيح
( عــــد 8 ) :
8يَبْلَعُ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ وَيَمْسَحُ السَّيِّدُ الرَّبُّ الدُّمُوعَ .....
في المسيح ابتلع الموت إلى الأبد بقيامته التي هي عربون قيامة جميع الذين يتمتعون بالحياة الأبدية حين يمسح الرب عنهم الدموع و ينزع عار شعبة عن كل الأرض ويعطيهم كرامة و مجدا ....
ثالثا : تعظيم ما تحقق من أمان ( عــــد 9 - 12 )
9وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: «هُوَذَا هَذَا إِلَهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا. هَذَا هُوَ الرَّبُّ انْتَظَرْنَاهُ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ بِخَلاَصِهِ». 10لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ تَسْتَقِرُّ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ وَيُدَاسُ مُوآبُ فِي مَكَانِهِ كَمَا يُدَاسُ التِّبْنُ فِي مَاءِ الْمَزْبَلَةِ. 11فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ فِيهِ كَمَا يَبْسُطُ السَّابِحُ لِيَسْبَحَ فَيَضَعُ كِبْرِيَاءَهُ مَعَ مَكَايِدِ يَدَيْهِ. 12وَصَرْحَ ارْتِفَاعِ أَسْوَارِكِ يَخْفِضُهُ. يَضَعُهُ يُلْصِقُهُ بِالأَرْضِ إِلَى التُّرَابِ.
( عــــد 9 ) :
9وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: «هُوَذَا هَذَا إِلَهُنَا. انْتَظَرْنَاهُ فَخَلَّصَنَا....
في غمرة تهليل و فرح البقية الناجية في ذلك اليوم أي بعــــد اجتيازها تلك الشدائد وانتهاء ضيقاتها فتنظر إلى المسيح مهللة : هذا هو الهنا الذي انتظرنا خلاصة فحققة لنا _ فتفيض قلوبنا فرحا و ابتهاجا به .
( عــــد 10 - 12 ) :
10لأَنَّ يَدَ الرَّبِّ تَسْتَقِرُّ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ وَيُدَاسُ مُوآبُ فِي مَكَانِهِ .....
كانت موآب من ألد أعــــداء شعب الله و تمثلت فيها كبرياء الادعاء الديني الباطل
و لذلك ذكرها اشعياء كناية عن جميع الأمم المعادية للمؤمنين فعندما تستقر يد الرب على هذا الجبل _ أي عندما يستتب للكنيسة سلامها و أمانها بوجود الرب في وسطها يداس الأشرار في مكانهم كما يداس التبن في الطين و يبسطون أيديهم كمن سقط في ماء غزير محاولا أن يسبح لينجو من الغرق و الرب يخفض كبرياءهم ومكايد أيديهم و يهدم أسوارهم المرتفعة و الحصينة و يساويها بالتراب على الأرض .
الإصحاح السادس و العشرون
في الإصحاح السابق عَبر اشعياء عن إنفعالاته نحو المستقبل المجيد الذي ينتظر المؤمنين و هنا ينشد أغنية هؤلاء المؤمنين الفرحين بخلاصهم و تشتمل هذه الأغنية الروحية على الكثير من المعاني و النبوات التي أكتمل مداها في بركات و امتيازات الكنيسة في العهد الجديد
Ø و يتضمن هذا النشيد :
(1) الرب صخر الدهور ( عــــد 1 _ 6 )
(2) اشتياق نفوسنا إليه ( عــــد 7 _ 10 )
(3) انتظار شعبه له ( عــــد 11 _ 21 )
أولا : الرب صخر الدهور ( عــــد 1 - 6 )
1فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهَذِهِ الأُغْنِيَةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا: «لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ. يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَاراً وَمِتْرَسَةً. 2اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ. 3ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِماً سَالِماً لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. 4تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ لأَنَّ فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ. 5لأَنَّهُ يَخْفِضُ سُكَّانَ الْعَلاَءِ يَضَعُ الْقَرْيَةَ الْمُرْتَفِعَةَ. يَضَعُهَا إِلَى الأَرْضِ. يُلْصِقُهَا بِالتُّرَابِ. 6تَدُوسُهَا الرِّجْلُ رِجْلاَ الْبَائِسِ أَقْدَامُ الْمَسَاكِينِ».
( عــــد 1 ) :
1فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُغَنَّى بِهَذِهِ الأُغْنِيَةِ فِي أَرْضِ يَهُوذَا
يتصل الكلام هنا بما جاء في نهاية الإصحاح السابق عن ابتهاج شعب بعمل خلاصه و سقوط أعــــدائه .
و إن كانت عبارة " فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ " تشير على المدى القريب إلى يوم عودة يهوذا من السبي فهي على المدى البعيد أشارت إلى زمن الخلاص في العهد الجديد حين انطلقت الألسنة بأناشيد الفرح و الغلبة .
لَنَا مَدِينَةٌ قَوِيَّةٌ
يغني الشعب مشيدا و فخورا بمدينته القوية _ و كانت بالنسبة ليهوذا هي أورشليم رمز الكنيسة .
يَجْعَلُ الْخَلاَصَ أَسْوَاراً وَمِتْرَسَةً
إن مواعيد الله و عهوده هي بمثابة أسوار منيعة و مترسة حصينة تحمي شعبة فبينما تنهار أسوار موآب ، تثبت أسوار مدينة الله .
( عــــد 2 ) :
2اِفْتَحُوا الأَبْوَابَ لِتَدْخُلَ الأُمَّةُ الْبَارَّةُ الْحَافِظَةُ الأَمَانَةَ
هنا صورة لشعب الله و كأنهم قد أتوا من أماكن بعيدة لزيارة المدينة المقدسة الخالية من السكان _ كما كانت جنة عــــدن قبل أن يسكنها آدم و حواء – وها هم قد بلغوا الأبواب فيصرخون طالبين من الحراس فتحها لكي يدخلوا باعتبارهم أمة بارة حافظة للأمانة .
( عــــد 3 ) :
3ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِماً سَالِماً لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ
يحتوي هذا العــــدد و الأعــــداد التالية حتى ( عــــد 6 ) على الأساس الذي عليه يقوم رجاء المؤمنين و المبدأ العام هو أن صاحب الرأي الممكن _ أي الثابت الراسخ في إيمان وطيد و متين ( كو2 : 5 و 7 ، 1بط 5: 9) هذا يحفظة الرب سالما سالما _ أي فى سلام تام و مؤكد لأنه يتوكل على الرب .
( عــــد 4 ) :
4تَوَكَّلُوا عَلَى الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ لأَنَّ فِي يَاهَ الرَّبِّ صَخْرَ الدُّهُورِ
"ياه " هو اختصار " يهوة " أسم الجلالة للذات الإلهية _ و هو إسم و ليس لقبا أو وصفا لأحدى صفاته و هو من الكلمة العبرية (Havah) و معناها " يكون الذي يكون " أي الكائن الأبدي السرمدي الواجب الوجود الكائن الذي كان و الذي يأتي ( رؤ 1 : 4 ) و هكذا أعلن ذاته لموسى ( خر 3 : 14 ) _ و هكذا تكلم المسح عن نفسه ( يو 8 : 58) .
( عــــد 5 , 6 )
5لأَنَّهُ يَخْفِضُ سُكَّانَ الْعَلاَءِ يَضَعُ الْقَرْيَةَ الْمُرْتَفِعَةَ. يَضَعُهَا إِلَى الأَرْضِ....
إنه سلطان الله على البشر جميعا فهو يذل المستكبرين و يخفض المدن المتشامخة يساويها بالأرض و يطرحها إلى التراب فتدوسها أقدام البائس و الفقير.
ثانيا : اشتياق نفوسنا إليه ( عــــد 7 - 10 )
7طَرِيقُ الصِّدِّيقِ اسْتِقَامَةٌ. تُمَهِّدُ أَيُّهَا الْمُسْتَقِيمُ سَبِيلَ الصِّدِّيقِ. 8فَفِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ انْتَظَرْنَاكَ. إِلَى اسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ النَّفْسِ. 9بِنَفْسِي اشْتَهَيْتُكَ فِي اللَّيْلِ. أَيْضاً بِرُوحِي فِي دَاخِلِي إِلَيْكَ أَبْتَكِرُ. لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعـدلَ. 10يُرْحَمُ الْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ الْعـدلَ. فِي أَرْضِ الاِسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرّاً وَلاَ يَرَى جَلاَلَ الرَّبِّ.
( عــــد 7 ) :
هنا يخاطب اشعياء الرب و يصفه بالاستقامة و هكذا ينبغي على كل من يطلبه أن يكون مستقيما .
( عــــد 8 ) :
. 8فَفِي طَرِيقِ أَحْكَامِكَ يَا رَبُّ انْتَظَرْنَاكَ. إِلَى اسْمِكَ وَإِلَى ذِكْرِكَ شَهْوَةُ النَّفْسِ.
أن الأتقياء ينتظرون الرب في طريق أحكامه العالية و العادلة و حتى لو اقتضت أحكام الرب ضيقات و شدائد بالنسبة لهم فأنهم يدركون أن كل الأشياء تعمل معا ( تتفاعل ) لخيرهم لأنهم يحبون الرب ( رو 8 : 28 ) فهم يتطلعون باشتياق إلى ذكر إسمه .
( عــــد 9 ) :
9بِنَفْسِي اشْتَهَيْتُكَ فِي اللَّيْلِ.
و حتى في وحشة الليل و ظلامة _ أي الشدائد و الأزمات _ تجد النفس الأمينة خلوتها و متعتها الجميلة مع الرب
. أَيْضاً بِرُوحِي فِي دَاخِلِي إِلَيْكَ أَبْتَكِر
و بكل المشاعر الداخلية العميقة تلجأ إليه النفس المخلصة في الصباح الباكر مرنمة مع داود الذي قال : " يا الله الهي أنت إليك أبكر عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة و يابسة بلا ماء " ( مز 63 : 1 )
لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعــــدلَ.
أي أن الناس لا يتركون طريق الظلم و يعرفون طريق الحق و العــــدل إلا بمعرفتهم أحكام الرب الأمينة ( و تعرفون الحق و الحق يحرركم ) ( يو 8 : 32)
( عــــد 10 ) :
10يُرْحَمُ الْمُنَافِقُ وَلاَ يَتَعَلَّمُ الْعـدلَ. فِي أَرْضِ الاِسْتِقَامَةِ يَصْنَعُ شَرّاً ....
أما المنافق فأنه لا يتعلم العــــدل رغم رحمة الله به وحتى في وجوده بين الأتقياء فانه يفعل الشر كأعمى لايرى جلال الرب .
ثالثآ : انتظار شعبه له ( عد 11 – 21 )
يمكننا تقسيم هذا الفصل الأخير من هذا النشيد إلى ثلاث مجموعات :
11يَا رَبُّ ارْتَفَعَتْ يَدُكَ وَلاَ يَرُونَ. يَرُونَ وَيَخْزُونَ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَى الشَّعْبِ وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ. 12يَا رَبُّ تَجْعَلُ لَنَا سَلاَماً لأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا. 13أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ. 14هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيُونَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ. لِذَلِكَ عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ وَأَبَدْتَ كُلَّ ذِكْرِهِمْ
بدأ هنا أشعياء بتوجية كلامه إلى الرب ، و نلاحظ أن الأعداد الثلاثة ( 11 ، 12 ، 13 ) يستهل كل منها بنداء للرب .
تتناول أعداد هذه المجموعة عمل قدرة الله مع شعبه الذى يغار عليه فيعطية سلامآ ، بينما لا يميز الأعداء ذلك و لكنهم يختبرونها فتأكلهم نار ويهلكون .
( عــــد 11 ) :
يَا رَبُّ ارْتَفَعَتْ يَدُكَ وَلاَ يَرُونَ
فى إرتفاع يد الرب إعلان قوة عمله و معجزاته مع شعبه ، أما الذين لا يرون – أى لا يميزون أو يدركون أو يعطون إنتباهآ – فهم أضداد لعمل الله ، و أعداء لأبنائه .
يَرُونَ وَيَخْزُونَ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَى الشَّعْبِ وَتَأْكُلُهُمْ نَارُ أَعْدَائِكَ
فى الفقرة السابقة ذكر النبى أن الأعداء لا يرون بمعنى لا يفهمون ، أما هنا فإنه يقول عنهم أنهم يرون و يخزون من غيرة الله على شعبه أى إنهم فى النهاية يختبرون إهتمام الله بشعبه فيصيبهم الخزى و تقع عليهم نار مهلكة .
( عــــد 12 ) :
يَا رَبُّ تَجْعَلُ لَنَا سَلاَماً لأَنَّكَ كُلَّ أَعْمَالِنَا صَنَعْتَهَا لَنَا
يستعمل النبى هنا صيغة أخر للفعل تشير الى الثقة الكاملة فى السلام الذى سيجعله لشعبه مستقبلآ – و هذا السلام هو من صنع الله الذى صنع لأولاده كل أعمالهم ، و ليس المقصود بأعمالهم الأعمال الشخصية من خير أو شر ، بل أعمال العناية الإلهية فيهم لنجاتهم و المحافظة عليهم .
( عــــد 13 ) :
َأيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ
كان اليهود قد تعرضوا لسيطرة أسياد و حكام كثيرين من الوثنيين خلال تاريخهم ، ولكن أشعياء هنا يقول بلسان جميع المؤمنين " بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ " فليس لنا رب سواك .
( عــــد 14 ) :
هُمْ أَمْوَاتٌ لاَ يَحْيُونَ. أَخْيِلَةٌ لاَ تَقُومُ. لِذَلِكَ عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ ...
لقد صار أولئك الأسياد أموتآ ، و إختفى وجودهم على الأرض ، ولن يعودوا لأستعباد شعب الله مرة أخرى ، كأخيلة – ظلال أو أشباح – لن تعود للظهور
( ملاحظة : من الأهمية بمكان ، أن نلاحظ هنا أن أشعياء لا يتكلم عن القيامة العامة العتيدة أن تكون كما يحاول البعض الأستناد على هذه العبارة لإنكار قيامة الأشرار للدينونة ) ولكن النبى يقصد عدم عودة أولئك الأعداء لممارسة مظالمهم ضد شعب الله كما فى ( أش 14 : 22 ) " .... وَأَقْطَعُ مِنْ بَابِلَ اسْماً وَبَقِيَّةً وَنَسْلاً وَذُرِّيَّةً يَقُولُ الرَّبُّ " ) .
و يضيف أشعياء " لِذَلِكَ عَاقَبْتَ وَأَهْلَكْتَهُمْ وَأَبَدْتَ كُلَّ ذِكْرِهِمْ " – و يمكننا إعتبار كلمة " لذلك " مرتبطة بالفقرة " بك وحدك نذكر إسمك " ( عد 13 )
15زِدْتَ الأُمَّةَ يَا رَبُّ زِدْتَ الأُمَّةَ. تَمَجَّدْتَ. وَسَّعْتَ كُلَّ أَطْرَافِ الأَرْضِ. 16يَا رَبُّ فِي الضِّيقِ طَلَبُوكَ. سَكَبُوا مُخَافَتَةً عِنْدَ تَأْدِيبِكَ إِيَّاهُمْ. 17كَمَا أَنَّ الْحُبْلَى الَّتِي تُقَارِبُ الْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا هَكَذَا كُنَّا قُدَّامَكَ يَا رَبُّ. 18حَبِلْنَا تَلَوَّيْنَا كَأَنَّنَا وَلَدْنَا رِيحاً. لَمْ نَصْنَعْ خَلاَصاً فِي الأَرْضِ وَلَمْ يَسْقُطْ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ. 19تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ. لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ.
( عــــد 15 ) :
زِدْتَ الأُمَّةَ يَا رَبُّ زِدْتَ الأُمَّةَ. تَمَجَّدْتَ. وَسَّعْتَ كُلَّ أَطْرَافِ الأَرْضِ
يتنبأ أشعياء عن نمو شعب الله ، و إتساع دائرة نطاقة ، وهذا ما قد تم فعلآ للكنيسة التى تزايد أبناؤها ، و إمتدت حدودها الى كل أطراف الأرض ، بدخول الأمم و الشعوب و الألسنة فى إيمانها ، فتمجد الرب و إرتفع إسمه فيها .
( عــــد 16 ) :
يَا رَبُّ فِي الضِّيقِ طَلَبُوكَ. سَكَبُوا مُخَافَتَةً عِنْدَ تَأْدِيبِكَ إِيَّاهُمْ
يعود النبى الى وقت التأديب الذى وقع على الشعب ، فالتجأ الصديقون الى الرب ساكبين مخافتتهم – أى إبتهالاتهم العميقة الخافتة الصوت كالهمسات الغير المسموعة ( كما فعلت حنة أم صموئيل التى قيل عنها أنها كانت تتكلم فى قلبها و شفتاها فقط تتحركان و صوتها لم يُسمع " 1 صم 1 : 13 " ) .
( عــــد 17 ، 18 ) :
كَمَا أَنَّ الْحُبْلَى الَّتِي تُقَارِبُ الْوِلاَدَةَ تَتَلَوَّى وَتَصْرُخُ فِي مَخَاضِهَا ...
بأسلوب بلاغته المعبرة ، يصف أشعياء الآلام التى إجتازتها أمته فى محنتها ، و محاولات الخلاص منها بالمجهودات الشخصية و فشلها ، فيُشبه أمته بامرأة حبلى جاءت ساعة الولادة ، فأخذت تتلوى و تصرخ فى مخاضها و عندما ولدت لم تلد طفلآ ، بل ولدت ريحآ ... و هكذا كانت النتيجة لا شىء و هكذا تصير كل المجهودات البشرية بدون تدخل العناية الإلهية ، إلى نتائج غير مثمرة .
( عــــد 19 ) :
تَحْيَا أَمْوَاتُكَ. تَقُومُ الْجُثَثُ. اسْتَيْقِظُوا. تَرَنَّمُوا يَا سُكَّانَ التُّرَابِ
يرتبط هذا العدد بما سبق من جهة المقارنة بين مجهودات الإنسان الشخصية الفاشلة ، وبين قدرة الله الذى يقيم الموتى و يُعيد الى الحياة سكان القبور و التراب ... و كما تستطيع قدرة الله على ذلك ، فهى وحدها التى تعيد الى الأمة إنتعاشها و حيويتها ....
لأَنَّ طَلَّكَ طَلُّ أَعْشَابٍ وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ
يشًبه أشعياء إنتعاش أمته بعد ذبولها بالعشب الذى يبس من الجفاف ، فنزلت عليه رطوبة الطل فإزدهر ، وَالأَرْضُ تُسْقِطُ الأَخْيِلَةَ – أى الهاوية تلفظ الأخيلة أو الأرواح التى فيها فتخرج ، و تحدث القيامة .
20هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ. 21لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ فَتَكْشِفُ الأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ.
فى هذين العددين يتكلم أشعياء مخاطبآ شعبه الذى لا زال فى الضيق و لم يأت له وقت القيامة المنتظرة بعد ...
إنه يدعو شعبه الى الدخول فى مخادعة و غلق أبوابة للإختباء نحو لحيظة ، حتى يعبر الغضب ( عد 20 ) – وذلك كما إختبأ نوح فى الفلك ، حتى انتهى الطوفان – لأن الرب قادم لمعاقبة إثم سكان الأرض التى تتكشف جرائم القتل التى وقعت عليها ( عد 21 ) .
الإصحاح السابع و العشرون
مقدمة عامة :
يدور هذا الإصحاح حول نقطتين و هما : القضاء على لوياثان و عناية الله بكرمتة .
و تختلف وجهات النظر حول النقاط الرئيسية الواردة هنا و يمكننا إيجاز ذلك فيما يلي :
(1) ما المقصود بلوياثان و التنين و الحية ؟
إعتقد البعض أنها تشير إلى الأمم التي عادت شعب الله - و لكننا في ضوء قرائن كتابية _ سيأتي بيانها _ نرى أن المقصود هو ابليس .
(2) ما المقصود بالكرمه ؟
يرى البعض أنها إشارة إلى الباقية من الأمة اليهودية , و لكننا نرى مدى النبوة ينطبق أكثر على الكنيسة التي إمتدت إليها كل مواعيد العهد القديم
(3) و متى يتم تحقيق نبوة هذا الإصحاح ؟
يعتقد أتباع عقيدة الحكم الألفي الحرفي أنها ستتم عندما يملك المسيح على الأرض ألف سنة إلا أن هذه الفكرة غير مقبولة لدينا و نحن نعتقد أن هذه النبوة انطبقت على عمل المسيح الذي قَهَر ابليس و أعطى كنيسته جميع الإمتيازات و البركات الروحية
و يمكن تقسيم هذا الإصحاح إلى أربعة أقسام :
(1) قتل لوياثان ( عــــد 1 )
(2) عناية الله بكرمته ( عــــد 2 _ 6 )
(3) تأديب و عقاب ( عــــد 7 _ 11 )
(4) الوعــــد بالجمع ( عــــد 12 _ 13 )
أولا : قتل لوياثان ( عــــد 1 )
1فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ
1فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
اليوم الذي فيه يعلن الرب قضاءه على قوات الظلمة فيسحق أعــــداءه تحت قدميه و قد أعلن المسيح عن سقوط إبليس رئيس قوات الظلمة فقال رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء ( لو 10 : 18 ) و لقد جاء ابن الله فأبطل أعمال أبليس( 1 يو 3 : 8)
يُعَاقِبُ الرَّبُّ بِسَيْفِهِ الْقَاسِي الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ
في صورة مجازية تشبيهية يستخدم الله سيفا مثلث الصفات :
قاسيا : أي حاد ماضيا لا ينثلم.
عظيما : أي قويا يمكن به تحطيم جبروت أعــــدائه .
شديدا : صلبا لا ينكسر .
إن سيف الروح أي كلمة الله أمضى من كل سيف ذي حدين ( عب 4 : 12 ) و الصليب هو قوة الله ( 1 كو 1 : 18 )
لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ الْحَيَّةَ الْمُتَحَوِّيَةَ وَيَقْتُلُ التِّنِّينَ الَّذِي فِي الْبَحْرِ
لوياثان من كلمة عبرية " lawa" كما في العربية " لوى أو ثنى " و هي تعني حرفيا " ما يجمع نفسه في طيات " أو ملفوف " و قد ذكره أيوب ووصفة بالتفصيل ( ص 41 ) و في مزمور ( 104 : 26 ) قيل إنه يلعب في البحر و يرتبط اسمه بالتنين ( أي 3 : 8 ) , ( مز 74 : 13 ) _ و يعتقد كثيرون أنه التمساح ( حز 29 : 3 )
كما وُصف السيف بثلاث صفات ، هكذا يوصف ابليس بثلاثة أوصاف :
لوياثان : الحية الهاوية .
لوياثان : الحية المتحوية ( الملتوية )
التنين الذى فى البحر .
من الواضح أن إبليس هو التنين الحية القديمة ( رؤ 20 : 2 ) الذى قيل أنه يُقيد ألف سنة – و هى كما نعتبرها عصر الكنيسة ، الذى بدأ بقيامها على الأرض ، بعد أن سَحَق المسيح إبليس على الصليب .ويعتقد بعض المفسرين أن لوياثان الحية الهاربة ، والحية المتحوية – و التنين تشير الى الأمم التى عادت شعب الله - و إختلفت آراؤهم فى تطبيق هذه الأوصاف على تلك الأمم .
و يقول ( G . Rawlinson ) : " ولكن هذا الأختلاف فى التفسير يُبيِنً أنه لا توجد مناسبة محددة فى هذه الرموز ، لكى تشير الى أى ممالك معينة أو قوات عالمية ، بينما يشير التصوير ذاته .... إلى شىء مقصود هو أعلى من القوى العالمية .
ويقول ( E . J . Young ) : " أنه يبدو أكثر إحتمالآ أن النبى يعلمنا أن الأعداء من كل نوع سواء ممن ينتمون للأعالى أو الى الأعماق والذين يقطنون أشد الأماكن مناعة ، سيقاسون دينونة و عقاب الله .
ثانيا :عناية الله بكرمته ( عد 2 – 6 )
2فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشْتَهَاةِ: 3«أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلاَّ يُوقَعَ بِهَا أَحْرُسُهَا لَيْلاً وَنَهَاراً. 4لَيْسَ لِي غَيْظٌ. لَيْتَ عَلَيَّ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ فِي الْقِتَالِ فَأَهْجِمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعاً. 5أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحاً مَعِي. صُلْحاً يَصْنَعُ مَعِي». 6فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَتَأَصَّلُ يَعْقُوبُ. يُزْهِرُ وَيُفْرِعُ إِسْرَائِيلُ وَيَمْلَأُونَ وَجْهَ الْمَسْكُونَةِ ثِمَاراً
سبق فى ( ص 5 ) أن ذكر أشعياء نشيدآ عن كرمة لم تُعطِ ثمرآ ، وهى الأمة اليهودية ، أما هنا فإنه يتكلم عن كرمة مثمرة و هى الكنيسة المسيحية التى تُمَجَد الرب فيها بثمارها الوفيرة لحساب مجده .
( عــــد 2 ، 3 ) :
فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ غَنُّوا لِلْكَرْمَةِ الْمُشْتَهَاةِ: 3«أَنَا الرَّبُّ حَارِسُهَا. أَسْقِيهَا كُلَّ لَحْظَةٍ. لِئَلاَّ يُوقَعَ بِهَا أَحْرُسُهَا لَيْلاً وَنَهَاراً
لا شك أن كنيسة المسيح هى الكرمة لمشتهاة و المحبوبة التى يحفظها الرب ويصونها ، و يمدًها بماء الحياة كل لحظة ، و لئلا يتلفها أحد فهو يحرسها ليلآ و نهارآ .
( عــــد 4 ) :
لَيْسَ لِي غَيْظٌ
لم يعد الله غاضبآ على شعب كنيسته فى طاعتها له كما كان بالنسبة لشعبه القديم فى عصيانهم و تمردهم .
لَيْتَ عَلَيَّ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ فِي الْقِتَالِ فَأَهْجِمَ عَلَيْهَا وَأَحْرِقَهَا مَعاً
أى أن الله على إستعداد أن يواجه الشوك والحسك ، أى أعداء كنيسته و هم لا يثبتون أمام وجهه إذ يحرقهم بنار .
( عــــد 5 ) :
أَوْ يَتَمَسَّكُ بِحِصْنِي فَيَصْنَعُ صُلْحاً مَعِي
أى أن الرب يهيىء فرصة لعدوه أن يلجأ إليه و يتصالح معه فينجو .
( عــــد 6 ) :
فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَتَأَصَّلُ يَعْقُوبُ. يُزْهِرُ وَيُفْرِعُ إِسْرَائِيلُ .....
هذه نبوة عن الثمار الروحية المسيحية التى يملأ بها نسل يعقوب الجديد كل المسكونة .
ثالثا : تأديب و عقاب ( عــــد 7 - 11 )
7هَلْ ضَرَبَهُ كَضَرْبَةِ ضَارِبِيهِ أَوْ قُتِلَ كَقَتْلِ قَتْلاَهُ؟ 8بِزَجْرٍ إِذْ طَلَّقْتَهَا خَاصَمْتَهَا. أَزَالَهَا بِرِيحِهِ الْعَاصِفَةِ فِي يَوْمِ الشَّرْقِيَّةِ. 9لِذَلِكَ بِهَذَا يُكَفَّرُ إِثْمُ يَعْقُوبَ. وَهَذَا كُلُّ الثَّمَرِ نَزْعُ خَطِيَّتِهِ: فِي جَعْلِهِ كُلَّ حِجَارَةِ الْمَذْبَحِ كَحِجَارَةِ كِلْسٍ مُكَسَّرَةٍ. لاَ تَقُومُ السَّوَارِي وَلاَ الشَّمْسَاتُ. 10لأَنَّ الْمَدِينَةَ الْحَصِينَةَ مُتَوَحِّدَةٌ. الْمَسْكَنُ مَهْجُورٌ وَمَتْرُوكٌ كَالْقَفْرِ. هُنَاكَ يَرْعَى الْعِجْلُ وَهُنَاكَ يَرْبُضُ وَيُتْلِفُ أَغْصَانَهَا. 11حِينَمَا تَيْبَسُ أَغْصَانُهَا تَتَكَسَّرُ فَتَأْتِي نِسَاءٌ وَتُوقِدُهَا. لأَنَّهُ لَيْسَ شَعْباً ذَا فَهْمٍ لِذَلِكَ لاَ يَرْحَمُهُ صَانِعُهُ وَلاَ يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ جَابِلُهُ.
ينتقل اشعياء إلى الحديث عن تأديب كان عتيدا أن يقع على يهوذا _ و كان هذا الموضوع جزءا رئيسيا في نبواته و قد سبق له تناوله ضمن قائمة الأمم و الممالك التي تنبأ عن عقابها ( انظر ص 22 )
و في هذا الفصل يبدو هذا التأديب الواقع على يهوذا مصحوبا بالرحمة و الإعتدال من جهة درجة و طأته ( عــــد 7 , 8 ) و القصد منه ( عــــد 9 )
( عــــد 7 ) :
7هَلْ ضَرَبَهُ كَضَرْبَةِ ضَارِبِيهِ
هذا سؤال استنكاري معناه : هل ضرب يهوذا بنفس المستوى الذي ضرب به ضاربي و أعــــداء شعبة و لا سيما أشور و بابل ؟
و الإجابة ضمنا هي أن ضربة الرب لهؤلاء الأعــــداء ستكون أشد و أرهب – ( أنظر ص 10: 26 , 14 : 7 , 30 : 26 )
أَوْ قُتِلَ كَقَتْلِ قَتْلاَهُ؟
و بنفس الطريقة الفكرة المقصودة يتساءل النبي : هل قُتِل شعب الله كما قًتَل هذا الشعب أعــــداءه ؟
( هناك تأويل آخر لهذه الفقرة : أى هل قُتٍل شعب الله كما قُتل الرب أعدائه ؟ - و أيضا بالنسبة للفقرة السابقة : هل كانت ضربة الرب لشعبه كما كانت ضربة الأعداء التى ضربوا بها شعب الله ؟ و الفرق أن ضربة الله هى للتأديب ، أما الأعداء فًيضربون للإبادة )
( عــــد 8 ) :
8بِزَجْرٍ إِذْ طَلَّقْتَهَا خَاصَمْتَهَا. أَزَالَهَا بِرِيحِهِ الْعَاصِفَةِ فِي يَوْمِ الشَّرْقِيَّةِ.
المقصود هنا أن تأديب الرب لشعبة أتخذ موقفا كموقف رجل استبعــــد امرأته زاجرا اياها بتوبيخ و لكن في محبة فقد قرر أبعادهم عنه إلى بابل كما بريح عاصفة في اليوم الذي تهب فيه عاصفة الشرقية العاتية و لكن هذا الإبعاد مؤقت يكون صفح و رجوع .
و من الملاحظ أن الترجمات الإنجليزية قد جاءت بها فقرة " in measure " أي بقدر يمكن احتماله أو بكيل محدود يسمح الله بالضيق على شعبة وفي الترجمة الكاثوليكية " إنما خاصمتها حين طلقتها خصام رفق فذهبت بها ريح عاصف في يوم السموم " .
( عــــد 9 ) :
9لِذَلِكَ بِهَذَا يُكَفَّرُ إِثْمُ يَعْقُوبَ. وَهَذَا كُلُّ الثَّمَرِ نَزْعُ خَطِيَّتِهِ: فِي جَعْلِهِ كُلَّ حِجَارَةِ الْمَذْبَحِ كَحِجَارَةِ كِلْسٍ مُكَسَّرَةٍ. لاَ تَقُومُ السَّوَارِي وَلاَ الشَّمْسَاتُ.
بهذا التأديب يتم التكفير عن إثم نسل يعقوب إذ يأتي هذا التأديب بثمار حية تتجلى في نزع الخطية بتحطيم الوثنية و القضاء عليها و هدم حجارة المذبح ( الوثني ) فتصير كحجارة كلس مسحوقة و تنتزع السواري و الشمسات ( الأصنام المصنوعة لعبادة الشمس )
( عــــد 10 ) :
10لأَنَّ الْمَدِينَةَ الْحَصِينَةَ مُتَوَحِّدَةٌ.
يُرجح أن المدينة المقصودة هنا هي " أورشليم " التي كانت عتيدة أن تصير بلا سكان .
الْمَسْكَنُ مَهْجُورٌ وَمَتْرُوكٌ كَالْقَفْرِ. هُنَاكَ يَرْعَى الْعِجْلُ وَهُنَاكَ يَرْبُضُ وَيُتْلِفُ أَغْصَانَهَا.
تصبح المدينة مرعى مفتوحآ للبهائم لتربض فيها وتُتلف أغصانها مما يتبقى مما يتركة سكانها بعــــد أن يهجروها .
( عــــد 11 ) :
حِينَمَا تَيْبَسُ أَغْصَانُهَا تَتَكَسَّرُ فَتَأْتِي نِسَاءٌ وَتُوقِدُهَا.
تصير بساتين أورشليم وعرا تحتطب النساء منه .
لأَنَّهُ لَيْسَ شَعْباً ذَا فَهْمٍ لِذَلِكَ لاَ يَرْحَمُهُ صَانِعُهُ وَلاَ يَتَرَأَّفُ عَلَيْهِ جَابِلُهُ.
يُوصف شعب اليهود بعــــدم الفهم لأنهم تخلوا عن عبادة الرب و انصرفوا إلى خرافات و مهازل الوثنية و لذلك يقع العقاب على أورشليم بلا رحمة أو رأفة يعفيانها من عقوبة تفرض عليها " بكيل " كما سبق .
رابعا : الوعــــد بالجمع ( عــــد 12 - 13 )
12وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يَجْنِي مِنْ مَجْرَى النَّهْرِ إِلَى وَادِي مِصْرَ. وَأَنْتُمْ تُلْقَطُونَ وَاحِداً وَاحِداً يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ. 13وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ يُضْرَبُ بِبُوقٍ عَظِيمٍ فَيَأْتِي التَّائِهُونَ فِي أَرْضِ أَشُّورَ وَالْمَنْفِيُّونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ فِي أُورُشَلِيمَ.
أعتدنا أن نرى اشعياء يُلحق بنبواته عن التأديب و الخراب عبارات مُشجعة ( ص 18 : 7 ، 19 : 18 – 25 ، 23 : 17 – 18 ، 24 : 23 ...إلخ )
( عــــد 12 ) :
12وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ الرَّبَّ يَجْنِي مِنْ مَجْرَى النَّهْرِ إِلَى وَادِي مِصْرَ. وَأَنْتُمْ تُلْقَطُونَ وَاحِداً وَاحِداً يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ.
يُشبه النبى عودة المسبين الى بلادهم فى اليهودية بجنى الثمار و إلتقاطها إذ يجمعهم واحدآ واحدآ داخل حدود أرضهم التى تقع ما بين مجرى النهر(الفرات ) ووادى مصر .
( عــــد 13 ) :
13وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ يُضْرَبُ بِبُوقٍ عَظِيمٍ فَيَأْتِي التَّائِهُونَ فِي أَرْضِ أَشُّورَ وَالْمَنْفِيُّونَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَيَسْجُدُونَ لِلرَّبِّ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ فِي أُورُشَلِيمَ
بلغة مجازية يتكلم إشعياء عن جمع التائهين و المنفيين من شعب الله بعلامة هى الضرب بالبوق .
وبما أن الضرب بالبوق ليس حرفيآ ، فلابد أن يكون الرجوع أيضآ غير حرفى ....
إنه الرجوع الى الإيمان بالمسيح سواء بالنسبة لليهود أو الأمم أو للجميع معآ .
و يؤكد ذلك أن الغرض من الرجوع هو السجود للرب ، أى أنه هدف روحى و ليس ماديآ عالميآ .
أما ذكر أشور و مصر ، فهو تعبير عن عالم العبودية قبل الرجوع للرب الذى يحرر من كل خطية .....