القديسة أجنس
ولدت بروما في أواخر القرن الثالث ، شريفة بالمولد ، مسيحية الوالدين بارعة الجمال ، وما أن بلغت عامها الثاني عشر ، حتى اتجهت بكل أشواقها نحو الرب ، تعلق قلب شاب يدعى بروكبيوس بها – وكان أبوه حاكم مدينة روما ، وعزم على الزواج بها ، أرتضى أبوه ذلك ، وطلب البنت من أبويها ولما تأخر ردهما ، نفذ صبر الشاب ، فحاول أن يكلمها مظهرا عواطفه من نحوها فالتقى بها في الطريق واقترب منها ليكلمها ، ولكنها رجعت إلى خلف كأنها أبصرت حية .. وقالت له " أغرب عني يا حجر العثرة .. أنا لا يمكنني أن أنكث بعهدي وأخون عريسي الإلهي الذي لا أحيا إلا بحبه" .. ثم أفاضت في إظهار مشاعرها نحو هذا العريس الإلهي ، ورفضت هدايا كان قد قدمها إليها .
ظن الشاب أنها تحب شخصا أخر غيره ، وإنها لفرط حبها أتخذته معبوداً لها !! ومن فرط هيامه وتعلقه بالفتاة مرض، قلق عليه والده واستدعى أجنس وفاتحها في الأمر ، لكنها شرحت له في أدب نذر بتوليتها .. فلم يستطع أن يفهم هذا الأمر ، الذي لم يكن له نظير في الوثنية .. فتدخل أحد الحاضرين وأفهمه أن الفتاة مسيحية ... وحينئذ خيرها بين أمرين .. إما أن تعبد الآلهة الوثنية وتتزوج بأبنه وإما أن تعذب حتى الموت .. وأمهلها حتى اليوم التالي لتعطيه جواباً ... لكن الفتاة رفضت هذه المهلة للتفكير ، وقالت له أن الأمر لا يحتاج إلى تفكير ، لأنها قد انتهت من اختيار الطريق، وكانت إجابتها هذه بداية لآلامها .
أمر الحاكم أن تقيد بالأغلال الحديدية وسحبوها إلى هيكل للأصنام لتسجد لها ، أما هي فرسمت ذاتها بعلامة الصليب ، ولم تنظر نحو الأوثان ولما لم يفلح في إرهابها ، هددها بإرسالها إلى ماخور فساد ... أما هي فقالت له "لا أخاف بيت الفساد ، لأن معي ملاكا يحفظني من كل سوء"
شرع الجند يعرونها من ثيابها ليدخلوها إلى ذلك الماخور ، ولكن شعرها غطى كل جسدها حتى تعجب الكل من ذلك ، وما أن دخلت ذلك البيت حتى أضاء نور من السماء فتعزت وشكرت الرب ، أما بعض الأشرار ممن أتوا لأرتكاب المنكر مع هذه العذراء ، فلما رأوا المنزل مضيئا بنور لا مثيل له ، أرتعبوا ولم يجسروا أن يتقدموا.
غير أن بركوبيوس ابن الحاكم الذي كان يود أن يتزوجها ، تجاسر ودخل ذلك البيت، ليفسد أجنس الطاهرة . وحينما اقترب منها ، ضربه ملاك الرب فخر ميتا ، ولما رأى الحاضرون ذلك هربوا وأذاعوا الخبر في كل المدينة فأسرع سيمبرونيوس الحاكم والد بروكوبيوس ، وبعد أن عنفها عاد يتذلل إليها طالبا منها أن تقيم إبنه الميت .. فصلت أجنس وقام الشاب بروكبيوس وهو يصيح "ليس إله حق إلا الذي يعبده المسيحيون" أنتشر خبر هذه المعجزة في كل رومية ، لكن كهنة الأوثان هيجوا الناس وقالوا : لتمت أجنس الساحرة .
أما سيمبرونيوس الحاكم فجبن إزاء صخب الناس ، وترك الأمر لوكيله الذي استحضر أجنس ، وأمر أن تلقى في النار ، لكن النار لم تؤذها ، بل شوهدت وسطها واقفة تصلي ... فلما رأى ذلك ، أمر بأن تقطع رأسها بالسيف . فأقترب منها جندي لينفذ الحكم ، لكنه ارتعد وتراجع .. أما هي فشجعته ، وقالت له " هلم اقتل هذا الجسد الذي أعثر غير عريسي السماوي" وكان استشهادها في الاضطهاد الذي أثاره ديوكلتيانوس .. وكان لها من العمر 12 أو 13 سنة .
وفي اليوم الثامن لاستشهادها تراءت في حلم لوالديها ، ومعها زمرة من الفتيات الصغيرات ، ومعها أيضا حمل أشد بياضا من الثلج ، وقالت لهما "ألا تكفا عن الحزن لموتي ، وأفرحا لأني ظفرت بإكليلي" وكان لقصة إستشهاد هذه الفتاة العذراء أثر كبير في الأوساط المسيحية في القرون الأولى ، و مدحها القديسون امبوسيوس وأوغسطينوس وايرونيموس وغيرهم .