بين الطموح... واستثمار الوزنات - لنيافة الانبا موسى
أعتقد أن كلمة "طموح" (Ambition) تحمل شبهة "الذات"... بينما - وأفضل منها - عبارة "استثمار الوزنات"... فهى تحمل معى "أمانة الوكالة".. أى أن كلا منا عنده وزنات ومواهب وطاقات، يجب أن يستثمرها لمنفعته الخاصة، ومنفعة الجماعة، الكنسية، بل الإنسانية بأسرها.
هذا الفرق غاية فى الأهمية والخطورة..
فالطموح الذاتى معناه أننى سأعمل بذراعى البشرية، مستثمراً
ما أودعه الله فىّ من وزنات،
وهدفى هو "المجد الشخصى"..
أما "استثمار الوزنات".. فمعناه أننى سأعمل بقوة الله، الذى أعطانى هذه الوزنات، من أجل أن تنمو وتثمر، ولكن لمجد الله، صاحب الوزنات الأصلى، والذى "به نحيا ونتحرك ونوجد".
المشكلة - إذن - تكمن فى :
1- الدافع... 2- الوسيلة... 3- الهدف...
فالطموح الذاتى :
1- دافعه... أن أتمجد وأمتدح...
2- ووسيلته... ذراعى البشرية: ذكائى، إرادتى، صلابتى، خبراتى...
3- هدفه... تمجيد الذات وليس المسيح.
أما استثمار الوزنات، فبالعكس :
1- دافعة... الأمانة لله فيما أعطانى من مواهب ومزايا ووزنات.
2- ووسيلته... أن أعمل مع الله، بقوة الله، الذى بدونه لا أستطيع شيئاً، وبه "أستطيع كل شئ، فى المسيح يسوع الذى يقوينى" (فى 13:4).
3- وهدفه... أن يتمجد الله فى كل شئ..
الإنسان الطموح ذاتياً :
إذا ما نجح فى دراسة فحصل على الدكتوراه مثلاً، أو فى مشروع اقتصادى فربح الكثير، أو فى نشاط رياضى فحصل على بطولة ما، أو فى عمل اجتماعى فأحسّ به الكل وامتدحوه، أو حتى فى خدمة كنسية فنالت اعجاب الكثيرين... هذا الإنسان الطموح ذاتياً سوف ينتفخ، ويشعر بالغرور، والتميز، وبأنه أفضل من كثيرين فاشلين أو أقل نجاحاً، وهو يقارن نفسه بمن هو أكثر نجاحاً فيحسده ويتمنى أن يتجاوزه، كما يقارن نفسه بمن هم أقل منه نجاحاً، فيزدرى بهم، ولو فى أعماقه، شاعراً بتميزه عنهم.
أما الإنسان الروحى :
الذى يجاهد فى استثمار وزناته المعطاة له من الله، إذا ما نجح ينسب النجاح لله، ليس فقط أمام الناس، ولكن فى أعماقه، فلولا الله الذى أعطاه الوزنة، وساعده فى استثمارها، لما نجح أو تفوق!!
وإذا ما فشل هذا الإنسان الروحى فى عمل ما، لا يصاب بصغر نفس أو يأس، بل يقول فى أعماقه: أنا السبب، ضعفى وكسلى وعدم أمانتى.. سامحنى يارب وأعنى كن أكون أميناً فيما أعطيتنى، كى أجاهد حسناً، واثقاً أن النجاح سيكون منك، وسوف أعطى المجد - كل المجد - لك.
الإنسان الطموح ذاتياً :
معرض فى النجاح لضربة كبرياء، وفى الفشل لضربة يأس!!
أما الإنسان الروحى :
الذى يجاهد فى استثمار وزناتى.. فإذا ما نجح يشكر الله لعمله فى الضعف البشرى، وإذا ما فشل ينسحق أمام الله، واثقاً أن الله قادر أن يحوِّل الفشل إلى نجاح، بنعمته وعمل روحه القدوس.
المسألة إذن هى فى: الدافع والوسيلة والهدف!!
فليكن دافعنا هو الأمانة مع الله صاحب الوزنة..
ووسيلتنا هى قوة الله العالمة فى ضعفنا، وجهادنا المخلص فى استثمار الوزنة قدر الطاقة.. وهدفنا... هو مجد الله صاحب كل شئ... صاحب الوزنة، وصاحب القوة اللازمة لاستثمارها، وصاحب النفس الذى تتنفسه!!
وهكذا يكون "طموحنا" روحياً وسليماً... ومرة أخرى ليتنا نستخدم تعبير "استثمار الوزنات" بدلاً من تعبير "الطموح" منعاً لأى شبهة ذاتية فى الموضوع.
والرب يبارك حياة ووزنات الجميع،