الطفل الشهيد فيلوثاؤس
الطفل الشهيد فيلوثاؤس
( طفل المعجزة )
بالعمق غنىَ الله لكم وحكمته وعمله .. طفل .. وقديس طفل يعمل والديه طريق الخلاص .. طفل ينير
طريق الحق للكثيرين.. طفل .. يهز العرش الروماني من قوائمه .. طفل .. معجزة .. لأنه طفل مسيحي مؤمن .
هذا هو القديس فيلوثاؤس القديس الطفل والشهيد العظيم ، لم يكن من أسرةٍ مسيحية بل علي العكس
كانت أسرته وثنية عريقة في وثنيتها أسرة غنية جداً ولكن غناها أعماها عن طريق الحق فالمال كما نعلم نعمة
من الله يجب علينا أن نستخدمه في تمجيد إسمه وفي تعميق معرفتنا لحبه الإلهي لنا ولكن أسرة فيلوثاؤس قد
إتخذت من المال وسيلة لتمجيد الشيطان فقد أعماها عدو الخير عن طريق الحق والحياة يسوع فعبدت ثوراً
ضخماً كانت تمتلكه عبدة المخلوق الحيوان الأعجمي وتركت الخالق العظيم .
وتكريماً لهذا الثور المعبود فقد أطلقوا عليه إسم أسماركطس وتفسيره "الزبرجد"... لقد أمعنت الأسرة
الضالة في ضلالها ، فوالد " فيلوثاؤس " وكان يُدعى "رانديانوس" ووالدته تُدعى "تاؤدورة" كانا يُقد
فروض العبادة والتبجيل إلي هذا الثور.
ففي كل صباح تبكر الزوجة تاؤدورة بعجن أكيال من الدقيق بالزيت والعسل والنبيذ والذبيب وبعد أن يتم لها
ما أرادت تحمله مع زوجها رانديانوس إلى حيث الثور أسماركطس فيلتهم الثور هذه الوجبة الدسمة وتسعد
الأسرة البائسة عندما تشاهد ثورها المعبود يخور من كثرة الأكل وحينئذ يتقدم رانديانوس متهيباً إلي الثور
ومعه
قارورة الطيب ويدهن به جلده حتى تلاشى رائحة الطيب رائحة روث الثور .
وكان الرجل يقوم بهذه العملية ثلاث مرات يومياً وكأنها فروض صلاة، وكما كان لكل إله معبد أقامت الأسرة
لمعبودها الثور معبدين أحدهما للصيف والآخر للشتاء فهذا النوع من الآلهة لا يمكن أن يدفع عن نفسه حر
الصيف أو برد الشتاء كما طوقوا عنق الثور بطوقٍ من الذهب ووضعوا زوجاً من الخلاخيل الذهبية في أرجله
الأربعة فأصبح يختال في رنين الذهب كلما سار في وسط السكن. ومبالغة في تكريم هذا الحيوان الأعجمي عين
رب الأسرة ثلاثةً من العبيد ليكونوا في خدمة هذا العجل الإله ، وهكذا كان فيلوثاؤس يعيش في جوٍ مسمم خانق
يفوح منه الضلال والجهل ولكن هل يمكن أن يخرج من
الجافي حلاوة..؟ نعم .. كان فيلوثاؤس صبياً جميل المحيى تنظر إليه فكأنك تنظر إلي ملاكٍ طاهر لا تمل من
النظر إليه ولم يكن
حسن المنظر فحسب بل كان قلبه يشع نوراً عجيباً فقد عافت نفسه هذه الخرافات وإشتاقت نفسه معرفة الحق .
ومن العجيب أن يكون فيلوثاؤس طفلاً في التاسعة من عمره ويدرك بقلبه الطاهر أن ما يعمله والديه من
تقديس هذا العجل إنما هو ضلال مبيّن ولا معنى له، فما هو الفرق بين هذا العجل وأي عجل آخر يجر المحراث
والنورج ثم يذبح ويؤكل لحمه ؟ لا يعقل أن يكون هذا الحيوان الذي يأكل ويخور وينام هو الإله الخالق المعبود
.. أسئلة ظلت تتردد أمام الطفل فيلوثاؤس ولا يجد لها جواباً ..!
وجاء عيد ميلاد فيلوثاؤس العاشر واحتفل والديه بالمناسبة السعيدة وقرروا أن يتوجا الإحتفال بتقديم إبنهم
إلى العجل سماركطس فطلبا منه أن يتقدم ويبخر أمام العجل فنفر منها ورفض الإمتثال إلي هذا الأمر وجرى
مسرعاً وأسرع والده بإحضاره .
فلما أمسك به وجده يبكي وهو في قمة إنفعاله وجسمه يتشنج من البكاء وهنا تدخلت تاؤدورة الوالدة وقالت
لزوجها : " أُتركه فهو لا يزال طفلاً صغيراً لا يعني شيئاً وعندما يكبر سيقوم بفروض العبادة للإله أسماركطس
وتركه والده وهو يربت على كتفه حتى يكف عن البكاء .
4من هو الإله ؟
كان فيلوثاؤس يلعب كثيراً مع بعض أطفال المسيحيين في مدينته إنطاكية وكانت تترامى إلي مسامعه منهم
كلمات لم يفهم منها شيئاً مثل يسوع المسيح والفداء والصليب والقيامة والتجسد والآب والإبن والروح القدس
ومريم العذراء وغير تلك الكلمات التي كان لها صدى جميل في أذنيه بل في قلبه ولو لم يدرك بعد معنى لها .
لقد كانت المسيحية لا تزال تكافح الوثنية في عهد الملك دقلديانوس وكان المسيحيون في أنطاكية يخفون إيمانهم
خوفاً من الطاغية الإمبراطوري فكان إذا إقترب فيلوثاؤس من جماعة الأطفال المسيحيين الذين يصلون أو
يرنمون أو يتحاورون في كلام الله سرعان ما ينفض سامرهم ويغيرون حديثهم خوفاً من إبن الوثني الكبير الذي
أقام معبداً وثنياً في بيته لعجل يعبده بدون إله .
وكان فيلوثاؤس يتساءل في حيرةٍ عن حقيقة الإيمان المسيحي بعد حادث عيد ميلاده العاشر الذي هزه من
الأعماق، تحركت مشاعره في عنف نحو معرفة الإله الحقيقي وكان وقت الصباح وأشرقت الشمس كعادتها في
كل صباح وكان فيلوثاؤس مستيقظاً يفكر في الإله الخالق .
فلما أبصر الشمس في بهاء شروقها ونور القمر ينحسر خجلاً أما الضوء الباهر وأضواء النجوم تتلاشي
أمام ظهور الشمس نظر إلي الشمس نظرة إعجاب وحيرة وخاطبها قائلاً: " أيتها الشمس هل أنتي هو الله الذي
يجب أن أعبدك أم لا " ، وظلت الشمس علي صمتها الرهيب بل مرت في هذه الساعة سحابة حجبت قرص
الشمس فتوارت خلف السحابة فتزعزع للتو إيمان فيلوثاؤس في الشمس وقال لها : " إذا كنتي لست الله فمن
هو الله؟ "
كان فيلوثاؤس يبحث عن حقيقةٍ، فخرج هذا السؤال من أعماق قلبه ووصل إلي الإله الحقيقي الله الخالق
فجاءت مشيئته أن يكشف ذاته للطفل الصغير فجاءه صوتٌ عذب من السماء : " أيها الطفل الطاهر الذي تريد
أن تعرف الإله الحقيقي، الله هو خالق السماء والأرض" وما الشمس والقمر والنجوم إلا مخلوقات يديه وقد
خلقها الله لكي تكون في خدمه البشر ، ومادمت يا فيلوثاؤس تريد أن تعرفني فستعلم من أنا في هذه الليلة ثم
إختفي الصوت الذي كان جميلاً رائعاً
ظل الطفل واقفاً مشدرها وقد تملكه العجب واستبدي به الحنين إلي الليل حتى يكشف أمامه السر العظيم كيف
قضي الطفل نهاره وكيف تصرف ؟ كل هذا يعلمه الله وحده ولما جاء المغيب كان فيلوثاؤس في لهفةٍ من أمره
ويريد أن يأتي الليل سريعاً .
وبعد إنتظار طويل ممل وقلق وهواجس جاءت الليلة المرتقبة ففي نصف الليل والطفل ساهراً لم يغمض
عينان إذا بضوءٍ باهر يغمر غرفته ويظهر له رئيس الملائكة ميخائيل يطمئنه ويهدئ من روعه وهو يقول له :
" يا مبارك يا خليل الله قم يا فيلوثاؤس وأنظر قوات الله الذي طلبت معرفته أنظر..... " ، ونظر فيلوثاؤس حيث
يشير رئيس الملائكة ميخائيل وكشف الله عن عينى الطفل فرأى مشهداً عجيباً رائعاً، رأى الرب يسوع المسيح
جالساً علي سحابةٍ عظيمةٍ نيره والكاروبيم يحملونها علي أيديهم و ربوات الملائكة تحيط بها وهم يسبحون
ويسجدون.
بُهِتَ فيلوثاؤس من هذا المنظر الإلهي وسجد علي الأرض فأقامه رئيس الملائكة وهو يقول له : تقوي يا
فيلوثاؤس وتشجع فإن الرب يسوع المسيح معك " ، وفجأة تلاشى المنظر السماوي وغاب الملاك وهكذا تحقق
لفيلوثاؤس لأول مرةٍ في حياته أن يعرف الإله الحق يسوع المسيح ..
أخذ يصلي إليه وهو يناديه من أعماق قلبه .. أنت يا يسوع المسيح الذي سمعت أنهم صلبوك .. أنت هو
الله الواحد الديان أنا أعبدك .. أنا أحبك .. من الآن أنا مسيحي .. وظل الطفل مستيقظاً يصلي ويسبح لقد عثر
أخيراً على كنز المعرفة . علي الإله الحق .. وفي الليلة التالية تكررت الصلاة من الطفل وتكررت الرؤيا السماوية وعندما تراءى له المخلص خاطبه في
هذه المرة وقال له : " لا تخف يا فيلوثاؤس لقد طلبت أن تعرفني وها قد عرفتك بنفسي أنا يسوع المسيح خالق
السموات والأرض كل من يطلبني يجدني لا تخف سأكون معك فإن قلبك الطاهر هو مسكن مريح لي سوف
أعطيك قوة الأعالي لتصنع العجائب والمعجزات ألا تعلم بأنني سميتك فيلوثاؤس وأنت في بطن أمك وأنت تعرف
ترجمة إسمك ومعناها " محب الله " ، فيا محب الله ..."
الله يحبك وسيعطيك موهبة شفاء المرضى وإخراج الشياطين وإقامة الموتى وستشهد أمام الملك دقلديانوس
بإسمي وسيؤمن الكثيرون بي بسبب جهادك وأخيراً ستنال إكليل الشهادة من أجل إسمى .... تقوى يا فيلوثاؤس
فأنا ملكك وإلهك يسوع المسيح " ، فأضاء وجه فيلوثاؤس بنور الإيمان وتهلل عندما سمع كلمات المخلص
فانفكت عقدة لسانه وسأل السيد له المجد : " ياربي وإلهي ، هل أتجرأ وأسألك ؟ لماذا إحتملت ظلم الكفرة حتى
اليوم . لماذا تزعن بإضطهاد الوثنيين لإسمك وشعبك ؟" ، فأجابهُ الرب المخلص : " لأجل كثرة ذنوب البشر أنا
اتركهم لكنهم عندما يعودون إلي يجدوني وعليك أن تعرف إنجيلي من كهنة كنيسة إنطاكية " ، ثم غاب عنه
الرب يسوع ..
ركع فيلوثاؤس على الأرض وهو يصلي بدموعٍ وفرح وفي الصباح يتجه فيلوثاؤس إلي أحد أصدقائه
المسيحيين ليقوده إلي كاهن الكنيسة الذي يُذهل عندما يجد طفلاً وثنياً أمامه فطلب منه أن يحدثة علي المسيح
وعن تجسده وقصة آلامه وقيامته .
أخذ الكاهن يشرح للطفل قصة الفداء العجيب وكلما تعب الكاهن وكف عن الحديث ألح عليه الطفل العجيب أن
يتحدث عن الرب يسوع وكأنه يريد أن يعرف كل شىء في لحظةٍ واحدة .وبالتدريج عرف فيلوثاؤس كل ما يجب
أن يعرفه عن الرب يسوع عن ظهر قلب .
إنعكس هذا الإيمان على تصرفات وسلوك الطفل فأصبح لا يكف عن الصلاة والصوم والإحسان إلى الفقراء
ومحبة كل الناس حتى الأعداء فأصبح مسيحياً بكل ما تحمله كلمة مسيحي من معاني القداسة والتقوى والمحب
ومضى عام وهو ينمو في النعمة والقامة .
مذبحة الأوثان
جاء عيد ميلاد فيلوثاؤس الحادي عشر وأصر أبواه على أن يقدم البخور في هذا العيد إلى العجل المقدس
وقال له والده : " يا ولدي فيلوثاؤس لقد كبرت وها أنا أراك تفيض جمالا وحيويةً وأنت الآن في سن الحادية
عشر التي ينبغي أن تقدم فيها السجود إلي أسماركطس ( زبرجد ) في الحفل الكبير عقب وليمة عيد ميلادك إن
الأهل ينتظرون هذا المشهد العظيم مشهد تقديم ولي عهدي البخور لإله العائلة المحبوب .
أجاب فيلوثاؤس بوداعةٍ : " علمني يا والدي كيف أقدم السجود والبخور"، ففرح الوالد كثيراً بهذه الإجابة
معتقدا أن إبنه وقد كبر وأصبح عاقلاً وناضجاً فهش وجهه وقلبه قائلاً : " الأمر سهل جداً يا فيلوثاؤس فما
عليك إلا أن تتقدم إليه وتسقيه قليلاً من النبيذ قدام المدعوين ثم تقرب له قرباناً وهو الدقيق السميذ المعجون
بالزيت وعسل النحل والنبيذ "،وتقول له وأنت تقدم له القربان : " يا أسماركطس أسألك أن تعطيني أموال
اً طائلة "، فإن فعلت كل هذا يا فيلوثاؤس فأنني سأزوجك من بنت الأمير الكبير فهو قريبنا وهو غنى جداً فقال له
القديس : " سأفعل كل ما قلته ".
وجاءت اللحظة الحاسمة بعد الوليمة العظيمة فتقدم الفتى الصغير وخلفه والديه والعبيد يحملون القرابين
للعجل المقدس تقدموا إلي حيث يربض أسماركطس فتقدم بعض العبيد يمسحون وجه العجل بأسفنجةٍ مبللة
بالطيب ويمسحونه بقطعةٍ من الحرير وكان منظراً مضحكاً حقاً ضحك القديس من جهالة القوم ثم نظر القديس
إلي السماء يصلي بصوت ملائكي .. حقا ياربي يسوع المسيح خالق السماء والأرض وكل ما فيها بكلمتك لقد
أريتني قوتك وقدرتك ياربي وأعطيتني نعمة معرفة إسمك القدوس إني أتوسل إليك من أجل والدي فأنر بصائرهم
بالإيمان وسامحهما على جهالتهما وخطأهما وأقبل شفاعتي فيهما أيها الإله الرحوم المحب.
وتعالت أصوات الحاضرين: تقدم يا فيلوثاؤس العزيز تقدم وبخر،وتقدم فيلوثاؤس ليبخر كما ظن الجميع
أنه سيفعل بل تقدم إلي العجل وقال له بصوتٍ عال : " قل لي أيها العجل هل أنت الإله الذي ينبغي أن أسجد
له..؟ ولدهشة الجميع أنطق الله الثور فقال " لا .. لا .. لا يا سيدي فيلوثاؤس عبد الله الحي " ، وخيم الصمت
برهةً علي القاعة ثم تقدم فيلوثاؤس من العجل ولدهشة الجميع إستسلم له دون أدنى مقاومة فأمسكه من قرونه
وأمر العبيد بقتله وتقطيع جثته وحرقها وذرا رمادها في البحر فنفذ العبيد كل أوامره .
وأثناء قتل العجل نقل العبيد جثتي والدي فيلوثاؤس إلى غرفةٍ داخلية حيث سجيا على فراش وأجتمع الأهل
والأقرباء يقدمون العزاء إلى فيلوثاؤس الصغير ولكن أي عزاء هذا ...! لقد مات والديه بعيدين عن الإيمان
ولاشك أن مصيرهما الحتمي هو الجحيم ولكن ألم يبشره المسيح عندما ظهر له بأنه سيعطيه موهبة الشفاء
وإقامة الموتى ألم يقل المسيح كل ما تطلبونه في الصلاة بإسمي أعطيكم فلماذا لا يصلي ويتشفع في والديه أنه
يقف والدموع تنساب من عينيه يصلي بحرارة أمام الجميع :
" يا يسوع المسيح رب الكل الذي أراني مجده العظيم ورحمته اللامحدوده والذي قال لي أنه سيعطيني
موهبة صنع العجائب والمعجزات إني أتوسل إليك أن تدركني الآن برحمتك أنا لا يهمني إذا كان الموت هو إنتقال
المؤمن إلي السماء ولكن موت والدي وهما كفرةٍ معناه العذاب الأبدي لهما، فأتوسل إليك أن تغفر خطاياهما
وتسمح لهما بفرصة التوبة والرجوع إليك ".
وتهدج صوته وأرتعش ثم تمالك نفسه وقال بصوت عظيم : " بإسم إلهي يسوع المسيح إلهي وحيد الآب
قوموا أحياء بلا فساد "،وللوقت عادت الروحان إلي الجسدين وقام الوالد والأم من الموت وشهق الجميع من هذا
المنظر العجيب وتقدم فيلوثاؤس من والديه وقال لهما : " يسوع المسيح إلهي ومخلصي يُذهب عنكما خوف
الموت " .
قام والده ووالدته يعانقون ويقبلون رجليه ويديه ويقولون له " مبارك أنت يا فيلوثاؤس ومباركة هي
ساعة ميلادك يا محب الله ومحب الملائكة فبسبب صلواتك المستجابة قد خرجنا من الجحيم ومُنحنا فرصةً جديدةً
للتوبةِ والرجوع إلي الرب يسوع فأستفسر منهما القديس عما حدث لهما وعما عايناه في رحلة الموت هذه فأخذ
ا يشرحان له والحاضرين قائلين:
" قد نطحنا هذا العجل اللعين الذي أعمانا الشيطان أن نعبده فلما متنا وجدنا الموت بأشكالٍ مفزعة جداً ثم
نُقلنا بسرعةٍ رهيبة إلي الجحيم ... إنها نارلا تُطفأ ودود لا يموت ... آه لو شاهدتم وجوه ملائكة الجحيم ... آه
لو شاهدتم الشيطان وجنوده وهم يتعذبون في نار الجحيم !! هل تصدقون أن العجل كان يشترك في تعذيبنا
ويقول لنا ذوقوا العذاب معي لأنكم عبدتموني أنا الشيطان وتركتم عبادة الواحد الديان يسوع .
إن الجحيم موضع عذاب لا يُطاق وهو فوق طاقة البشرأن توصفه ، لقد قاسينا الأهوال حتى رأينا صلواتك
أيها الإبن البار ترتفع نحو السماء مثل البخور وعندئذ سمعنا صوتاً رحيماً يقول لنا : " لقد سمعت صلوات
إبنكما فيلوثاؤس وستعودان إلي الأرض فقد أعطاكما الرب يسوع فرصةً أخرى للتوبةِ وتأكدنا... نشكر الرب
يسوع ومبارك قديسه فيلوثاؤس إننا مسيحيون نؤمن بالمسيح الحي المخلص هاتوا الكاهن ليعمدنا جميعاً علي
إسم الأب و الإبن والروح القدس الإله الواحد .
وسرعان ما أستدعوا الكاهن من كنيسة إنطاكية فعمدهم جميعاً على إسم المسيح وأصبحوا من رعايا
ملكوت المسيح له المجد وما كادوا ينالون المعمودية ومسحة الميرون المقدس حتى وزعوا أموالهم على
المساكين والفقراء والأرامل والأيتام متمثلين بقول السيد المسيح له المجد : " إن كنت تريد أن تكون كاملاً
فأذهب وبع كل ما لك وأعطه للمساكين فيكون لك كنز في السماء وتعال إتبعني" ( مت 19 : 21 ) .
كما أعتقوا عبيدهم وأطلقوهم أحراراً وعاشوا في مخافة الله يواصلون الليل بالنهار في صلوات وأصوام
يرفعونها إلي الله حتى حانت ساعة الإنتقال من هذه الدنيا فأنتقل إلي الفردوس الأب وبعده بشهرين لحقت به الأم
وظل فيلوثاؤس مواظباً كل حين علي الصوم والصدقات والإشتراك في إجتماعات البيعة الطاهرة .
4جهادٌ وصراع :
تحرّق غيظاً عدو الخير من سلوك وصلوات القديس فيلوثاؤس فأراد أن يحيك حوله شباك مؤامراته ودخل
الشيطان في صورة ملاك وقال للقديس : السلام لك يا فيلوثاؤس القديس العظيم لقد نظر المسيح إلي محبتك فيه
لذلك أسماك محب الله وقد أرسلني لأنه أشفق عليك من كثرة الصلوات لتقلل منها ومن الأصوام وهو الذي قال :
" وإذا صليتم فلا تكثروا الكلام مثل الوثنيين فأنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تتشبهوا بهم "
(مت 6 : 7)
كما أنه يخفي عليك يا فيلوثاؤس من قيامك بشفاء المرضى خوفاً من أن يصل ذاك إلي مسامع الملك الكافر
فيقتلك والله لا يريدك أن تموت قبل يومك، تمهل يا فيلوثاؤس في الرد لابد من التأكد من حقيقته قبل الإمتثال
لنصيحته فأبتسم له وهو يقول يا سيدي هلم نصلي معا لنأخذ من المسيح قوةً روحية عظيمة ولدهشته أجاب
أعفيني يا فيلوثاؤس من الصلاة معك لأنني لا استطيع أن أصلي بعيداً عن جماعة الملائكة وها قد جئت إليك بعد
الفراغ من صلاتي معهم .
رد القديس قائلاً : عجيبٌ جداً هو قولك فقد أوصانا المسيح بالصلاة كل حين ودون ملل فكيف ترفض الصلاة
معي ،لا يمكن أن تكون ملاكاً ... وما كاد القديس فيلوثاؤس يكشف خبث الشيطان حتى حاول الأخير الهرب من
أمام رجل الصلاة فلا يوجد شئ تخافه الشياطين أكثر من صلاتنا فهي سلاح بنارٍ ضد مؤامراته ، ولكن القديس
أسرع وربطه وهو يقول : " حيٌ هو إسم الرب يسوع إله السموات والأرض لا تبرح مكانك حتى تعرفني من
أنت"
ولدهشة القديس وجد الشيطان قد عاد إلي صورته القبيحة وهو يصرخ بصوتٍ مزعج : " كم أكرهك يا
مرذول كم أكرهك يا فيلوثاؤس .. لقد قتلت العجل زبرجد وأختطفت من مملكتي والديك وآمن الكثيرون بسببك
في هذه المدينة ولكن لن أتركك ، سأقلب الدنيا ... سترى قولي أيها المغرور بقداستك سترى كيف أجعل الملوك
وهم جنودي الأوفياء يعذبونك ويقتلونك ، الويل لك أيها الإنسان لأنك وقفت في طريقي هل عرفتني ؟ أنا رئيس
هذا العالم ها .. ها .. ها ..
إنطلق الشيطان بسرعة البرق عندما رشم فيلوثاؤس علامة الصليب فقام القديس من فوره وركع أمام
عرش النعمة ورفع صلاة شكر للمسيح لأنه كشف أمامه سر هذا المعاند ورفع صلاة توسل وتذلل إلي الرب لكي
يقويه ويثبته في الإيمان حتى النفس الأخير و أمتدت الصلاة طويلاً حتى لاحت تباشير الفجر فواصل صلاته
بصلاة باكر ثم غلبه النعاس فنام في حماية رب الأرباب .
ظهر الشيطان في صورة إنسان حكيم للإمبراطور دقلديانوس وبعد أن حياه وأكرمه قال الشيطان عشت أيها
الملك إلي الآبد ودام ملكك السعيد بمؤازرة الآلهة العظام لقد دانت الأرض لحكمتك وخضعت الرعية لأوامرك
الملكية فالجميع سجدوا وبخروا للآلهة ولكن هل تعلم يا جلالة الإمبراطور أن هناك صبياً صغيراً عمره خمسة
عشر سنة قد إستهان بك وبآلهتك وإسمهُ فيلوثاؤس وقد قلب المدينة ضد الآلهة فهو ينادي بأن رجل قتله اليهود
إسمهُ المسيح هو الإله وقد تبعه في دين المسيح المصلوب الكثيرون وهو فوق ذلك يبهر عقول الناس بالسحر
فيشفي المرضى وقد تركه يحاول بسحره أن يفتح عين أعمى وأخشى يا مولاي أن ينجح بسحره في هذا لو نجح
لتبعته المدينة وتزعزع إيمان الناس بالآلهة فتغضب منك فيزول عرشك ولا تنسى أن أكبر الحرائق من مستصغر
الشر .
4أمام دقلديانوس :
لم يكد الإمبراطور دقلديانوس يسمع هذا القول المسموم حتى إستشاط غضباً وأمر ثلاثة من الأمراء بالتوجه
بفرقهم للعسكرية لإحضار الصبي فيلوثاؤس وسرعان ما توجه الجند بقيادة الأمراء إلي حيث يوجد القديس
فوجده يصلي وعندما دخل الأمراء هالهم هذا النور الإلهي الذي يشع من وجه القديس وأنتظروا حتى أكمل
القديس صلاته وتقدم إليه أعمى فشفاه بإسم السيد المسيح وللوقت إنفتحت عينيه وأبصر جيداً فمجد الله كل من
رأي المعجزة الخارقة .
تقدم القادة وبكل إحترام أخبروا القديس بأمر الإمبراطور بإحضاره فقام القديس لفوره معهم وتوجه معهم إلي
حيث يسكن الملك الطاغي .. ما كاد الإمبراطور دقلديانوس يرى فيلوثاؤس حتى أُعجب به فأكرمه كثيراً وأمره
بالجلوس في حضرته وهو يقول له :
أيها الصبي الجميل أرى أنك من جنس الملوك، فلم يجبه القديس بكلمةٍ فكرر الإمبراطور محاولته للتقرب
من الصبي وقال له : أيها الصبي المحبوب لم لا تخاطبني ألا تعرف من أنا .. ؟ فأجاب فيلوثاؤس أنا لا أخاطب
ملكاً وهبه الله الملك فترك الله وعبد الشياطين والأصنام
أجاب الملك أن الآلهة هم أصحاب الفضل عليَّ فهم الذين أعطوني المُلك وهم الذين يعطوني النصر في
حروبي فكيف لا أعبد آلهة النصر ..؟ فرد القديس العظيم إعلم أيها الملك أن الشياطين والأصنام لا يقدرون أن
يعطوك شيئاً ولا حتى النصر بل بالعكس هم أسباب الحروب ووراء كل كارثةٍ تحل علينا بل على العكس فإن
النصر يتحقق بسبب أن بعض جنودك قد آمنوا بالسيد المسيح سراً ومن أجلهم فقط يعطيك الله هذا النصر .
عندما سمع الإمبراطور إسم المسيح غضب وقال وهو يزمجر ها قد إعترفت أيها الصبي .... لقد صدقت
الأخبار التي جاءتني عنك فأنك تبشر في المدينة برجلٍ قتله اليهود وهو المسيح وتزدري بآلهتنا العظام ، لم
يتزعزع فيلوثاؤس ولم ينكر أو حتى يخفي إيمانه بل قال علي الفور آلهتك ؟ ما هي هذه الآلهة التي تصنع من
الأحجار والمعادن والجواهر ومع ذلك تعتقد أنها آلهة هل يعقل ذلك أيها الملك ..؟
قال الملك بصوت كالرعد أتجرؤ أن تقول أن أبوللون العظيم ليس إله إني أقف أمامه وأسأله عن أي شيء
فيجيبني إنه الإله العظيم وكل من يكفر به يستحق الموت وإن كان يسوع هذا أقوي من أبوللون العظيم فلماذا لم
يدافع عن نفسه وترك اليهود يقتلونه شر قتلةٍ على الصليب مع المجرمين ؟
رد عليه القديس بثبات وإيمان : " لقد جاء يسوع المسيح من أجل خلاصنا جاء ليموت عنا فلو لم يُصلب
المسيح ما كان الخلاص وما كانت الحياة الأبدية للمؤمنين به إنه المسيح كلمة الله المتجسد وهو خلاص العالم
كله، قال الإمبراطور: ما هذه الكلمات التي لا معنى لها خلاص ؟ وحياة أبدية ؟ كلمة الله المتجسد ؟ إنها من
تأثير الفلسفة اليهودية إنني أعرف كل الخرافات التي ينادي بها المسيحيون وأنني أريد أن أُظهر لك سخفها وأن
أبوللون وهو الإله العظيم .
يا فيلوثاؤس إنني أراك صبياً صغير السن وأعتقد أن بعض الدجالين قد أثروا على عقلك الصغير وها أنا
أسامحك على ما قمت به من دعايةٍ مسمومة ضد الآلهة ولكن على شرطٍ واحد وهو أن تترك هذه الكلمات عن
يسوع المصلوب وتسجد للإله أبوللون وبقية الآلهة العظام فإن إمتثلت لأمري سأجعلك رئيساً وإبناً من أبناء
الملوك وإن عصيت أمري فالويل لك من غضبي وعذابي .
قال القديس في حزمٍ : حاشا أن أقبل هذا الشر العظيم الذي تدعوني إليه وأنكر ربي وإلهي ومخلصي يسوع
المسيح من أجل أصنام خرساء بكماء وعمياء ومن أجل مجدٍ وقتي سرعان ما يتبخر ويزول .. إنني مسيحي أيها
الملك ولن أتزحزح عن إيماني بالمسيح قيد أنملةٍ فلا تتعب نفسك معي وأصر الإمبراطور على أسنانه غيظاً من
كلام هذا الصبي وأمر بالبدء في تعذيبه وما له من عذاب .
4 مناورات وتحذيرات :
أشار أحد الجلوس على الإمبراطور بأن المسيحيين سحرةً ولابد من فك هذا السحر بواسطة ساحر عظيم
فأمر بإحضار ساحر كبير فلما حضر الساحر قال له الملك أيها الساحر لقد شاهدت من هذا الصبي سحراً فظيعاً
فقد كنت ممسكاً بتمثال ذهبي للإله ولم أشعر إلا وهذا الصبي يتمتم بالتعاويذ علي التمثال ولدهشتي وجدت
الذهب يسيل وينسكب علي الأرض فتناثرت الجواهر في كل مكان إسقيه كاس الموت فضحك الساحر وهو يقول
هل هزل السحر حتى يؤديه ولد صغير.. !! إنه لن يحتمل في يدي دقائق يا مولاي .
أخرج الساحر قنينةً وسكب منها سائلاً في كأس وأخذ يقرأ عليها التعاويذ ثم تقدم بالكأس إلي القديس
وناوله إياه وهو يقول للإمبراطور إنه سمٌ زعاف يا مولاي ونقطةً منه كافيةً أن تقضى على أقوي رجل فما بالكم
بهذا الصبي المغرور إشرب من الكأس إشرب الموت وأخذ فيلوثاؤس الكأس وبه السم ودون أن ترتعش يديه
رشم علي الكأس علامة الصليب وهو يقول بإسم الآب والإبن والروح القدس الإله واحد آمين .
شرب القديس الكأس وحملق الجميع فيه وإنتظروا أن يسقط ميتاً وكان أن طال إنتظارهم، ولدهشتهم الفائقة
وقع الساحر ميتاً أمام الجميع فصرخ الكثيرين وأعلنوا إيمانهم بالمسيح وكان على رأس المؤمنين الأمراء الثلاثة
وجنودهم البالغ عددهم تسعمائة جندياً وهم الذين شاهدوا قبل معجزه موت الساحر وعدم تأثير السم في القديس
شاهدوا معجزه شفاء الأعمى .
ضاق الإمبراطور ذرعاً بهذا وأمر بقطع رقابهم جميعاً فنالوا إكليل الشهادة وألتفت الإمبراطور إلى فيلوثاؤس
وهو يقول مرذول أنت أيها الصبي اللعين سأريك كيف يكون العذاب أيها الساحر الماكر أيها الجنود تعالوا
بالسياط قطعوا جسده بها وإنهال جماعةً من الجنود بالسياط علي جسد الفتى الصغير حتى سال الدم وتناثر منه
اللحم ثم جاءوا بالجير الحي والخل ورشوه علي الجروح حتى يزداد الألم ويصبح غير محتمل لطاقة الإنسان .
في قمة الألم يدعوه الإمبراطور إلي السجود والتبخير للأصنام ولكن القديس يرد عليه : أنا لا أترك عبادة الله
الحي بسبب هذا العذاب، بل أنني اشكر يسوع لأنه جعلني أهلاً أن أتألم من أجل إسمه القدوس .. حينئذ أمر
الإمبراطور أن يُوضع علي بطن القديس حجراً ضخماً لا يستطيع رفعة إلا أربعة رجال أشداء فلما فعلوا ذلك ظن
الجميع أن حياة القديس قد إقتربت من نهايتها وأنه لم تمضى إلا دقائق ويلفظ أنفاسه الأخيرة فتركه الإمبراطور
وحاشيته في السجن وهو يظن أنه قد مات.
نزل رئيس الملائكة رافائيل إليه ومسح جسده وشفاه حتى لم تبق أية آثار علي جسده من عذاب السياط
والجير والحجر، وشجعه رئيس الملائكة قائلاً : لقد أرسلني الرب إليك لأقويك وأعزيك في جميع أتعابك حتى
تفضح ضلال هذا الملك الكافر... تشجع يا فيلوثاؤس ولا تخف لأن الرب معك، ومضى عنه الملاك ..
وأرسل الإمبراطور يستدعي فيلوثاؤس بعد أن علم أنه لم يمت فجاء صحيحاً معافى لم يمسه أى شر، قال
الملك: هذا من سحر المسيحيين ولكن لن تسحرني بإسم إلهك ورد القديس بسرعة: سينالك غضباً عظيماً من ال
له أيها الملك الكافر لأنك تفتري علي خالقك العظيم، أُصمت ... ولشدة دهشة الجميع وجدوا الإمبراطور يحاول
الكلام فلا يقوى عليه، فقد إنحبس صوته، وتوسل الحاضرين للقديس أن يصفح عن الإمبراطور فصلى القديس :
أتضرع إليك أيها الرب يسوع أن تشفي هذا الكافر لتتم إرادتك فيه .
إستجاب الرب لصلاة قديسه وأنحل لسان الملك، ولما شاهد هذه المعجزة بعض الحاضرين أعلنوا إيمانهم
بالمسيح فأزداد غضب الإمبراطور وقال سوف نري إذا كان هذا السحر الأسود ينفعك سوف أعذبك بأشد ألوان
العذاب، إضربوه علي فمه حتى يبطل سحره فتقدم عملاق شرس وضرب القديس على فمه حتى سقطت أسنانه
وسال الدم غزيراً من فمه، وأسرع الجند وحملوه إلي السجن وهناك أخذ القديس يصلي فجاء إليه رئيس الملائكة
رافائيل وقال له: السلام لك يا محب الله أنا معك لا تخف فإني لا أفارقك ثم لمس فاه فعاد صحيحاً كما كان
وتكررت قصة
العذاب وتفنن الكافر الطاغي فى إختراع صنوف العذاب ولكن قلب المؤمن لن يرهبه شيئاً فظل القديس صامدا
ً قوياً وأخيراً تظاهر القديس بأنه قبل السجود إلي الأصنام وطلب فيلوثاؤس أن يقف أمام كل صنم من السبعين
صنماً كبير كهنة ووقف كاهن عن يمين كل صنم والكاهن الآخر عن يساره وأنتظر الجميع لحظة سجود
فيلوثاؤس .
وقف القديس مرفوع الرأس وبعد أن صلى قال بصوت مرتفع : أيتها الأصنام السبعين أنا آمر الشياطين
الناطقة فيكم الحالة عليكم بإسم ربي يسوع المسيح أن يقتل كل صنم الكاهنين اللذين يخدمانه ، وللوقت شاهد
الناس الأصنام تقتل الكهنة وتسقط علي وجوهها وهنا تعالت الأصوات من الساحةِ تبارك الله إله القديس العظيم
فيلوثاؤس ونحن جميعا نعلن إننا مسيحيون .
فقد الإمبراطور وعيه فأمر بإغلاق أبواب المعبد وقتل كل الموجودين المعترفين بالمسيح ونال إكليل الشهادة
قرابة سبعمائة وسبعة وأربعين شهيداً وسقط ضمن من سقط بالسيف القديس فيلوثاؤس وانصرف الإمبراطور
وقد إنتعش من منظر الدماء المسكوبة وظن أنه إنتصر علي القديس فيلوثاؤس ولكنه كان واهماً فبعد أن إنصرف
الجميع أضاء المكان نور عجيب وجاء الرب يسوع في مجده وحوله الملائكة وسرعان ما قام القديس وكأنه
يستيقظ من نومه .
قال المخلص : قم يا محب الله وأمش وإظهر نفسك للملك هذه المرة أيضاً حتى لا يظن في نفسه أنه قد قوىَ
عليك وسوف تنال إكليل الشهادة وتفوز بالحياة الأبدية في ملكوت السموات وسوف أكرم إسمك في كل مكان
يُبني فيه كنيسة علي إسمك وسوف تظهر العجائب في الكنيسة التي تبني علي إسمك كما مجدت قبلك القديس
بقطر بن رومانوس الوزير وغيره ،وأعلم يا فيلوثاؤس أن كل من يدعوني بإسمك وهو في شدةٍ أو ضيق فإني
أستجيب له وأخلصه من أجل صلواتك وقد أعددت لك ثلاث أكاليل ،إكليل لبتوليتك وإكليل لصومك والإكليل الثالث
لجهادك وإستشهادك على إسمي وكل من كتب سيرتك أو شرح جهادك فإني سأكتب إسمهُ في سفر الحياة وأجعل
رافائيل ملاكي حافظاً لبيعتك المقدسة .. قم يا حبيبي وأمضى إلي الكافر وبعد ثلاثة أيام تتم شهادتك وتأتي إلي
ملكوت السموات ثم باركه الرب وانصرف في بهاءٍ ومجدٍ عظيمين ..
قام فيلوثاؤس من وسط القتلى وهو سليماً معافى وهرول إلي الإمبراطور وما كاد دقلديانوس يراه حتى
إرتجف هل هو خياله ؟ هل هو بجسده ؟ ألم يراه مقتولاً بالسيف وسط القتلى ؟ فماذا حدث حتى يقوم ؟ ثم أنه لا
يجد فيه أثر السيف أو حتى خدوش أو جروح ما هذا .. !! هل يصل سحر المسيحيين إلي هذا الحد؟ نعم هكذا
وسوس له الشيطان أنه سحر المسيحيين، هكذا يقول له الشيطان وهو عبد للشيطان ..
تمالك الإمبراطور وتودد إلي فيلوثاؤس وهو يقول له : لقد آمنت بسحرك أيها الفتي العجيب إنني أعرض
عليك منصب مدير قصري والآمر الناهي في رعيتي إذا قبلت عبادة أبوللون، فصاح القديس : إخزىََ يا ملعون
أصنامك قد سقطت وتهشمت علي الأرض بأمر ربي يسوع المسيح وكما أهلك كهنة الأصنام فإنه سيهلكك أيها
الطاغي فغضب الملك وأمر بأن تُقطع رأسه بالسيف حتى يذوق كأس الموت، وإقتاد الجنود القديس إلي ساحة
الموت ولاحظ الجنود أن وجهه قد أصبح منيراً كالملاك وفي الطريق سار مع القديس رئيس الملائكة رافائيل
يقويه ويشجعه وكان الملاك في صورة إنسان يسير مع الموكب .
ولما وصلوا .. سجد فيلوثاؤس وأخذ يصلي إلي المسيح ليقدم شكره له ويقول : " أشكرك يا ربي يسوع
المسيح فقد كنت وثنياً إبن وثني فتفضلت ووهبت لي الإيمان وأعطيتني موهبة الشفاء وصنع العجائب ثم
وهبتني أن أفضح هذا الكافر وجنوده فقويني علي تحمل العذاب بإسمك وأرجوك أن تحفظ جسدي من النار كما
أمر الملك بذلك له القوة والمجد إلي الأبد آمين .
ولما أكمل صلاته تقدم إلي الجند وقال لهم : " نفذوا يا إخوتي ما أمركم به ملككم الكافر" ، وتردد الجند
وبعد إلحاحٍ شديد تقدم بعض الجند وطعنوه بالحراب في جنبه وعند ذلك جاء رئيس الملائكة رافائيل وإستقبل
روحه الطاهرة وحملها إلى مكانه بالأكاليل الثلاثة إلي ملكوت السموات ولما حاول الجند أن يشعلوا النار في
جسده ولكن لم تؤذه النار، فقد خمدت بفعل الأمطار الغزيرة التي هطلت فجأةً وهرب الجند من غضب الطبيعة ثم
جاء المؤمنون وحملوا الجسد الطاهر ودفنوه بإكرام عظيم .
4الطفل الذي هز العرش الروماني محب الله فيلوثاؤس :
كتب القديس ساويروس بطريرك أنطاكية سيرة القديس فيلوثاؤس الشهيد الطوباوي ومن أروع ما كتبه
هو أن الله خلق النيرين العظيمين الشمس والقمر وأردف هذا أن كل شئ سينحل ويزول وسيأتي اليوم الذي
تنتهي الشمس والقمر من الوجود ولكن هناك سماء ثانية خالدة هي النور العظيم وهي ملكوت السموات وأن
هناك الأرض الجديدة وهي أورشليم السمائيه ترصعها النجوم فكذلك ترصع أجساد القديسين والشهداء الأرض .
لذلك كان ظهور جسد أحد القديسين بمثابة نجم جديد يُوجب علينا أن نحتفل به ونهتدي بنوره كما إهتدىَ
المجوس قديماً بنور النجم فقادهم إلي المسيح فهكذا نهتدىَ بنور تعاليم القديسين وسيرهم الذكية لكي تقودنا إلي
المسيح فسيرة كل قديس هي بمثابة نجم في السماء ، الكنيسة تضئ للمؤمنين : " هكذا فليضئ نوركم قدام
الناس لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السموات ( مت 5 : 16 ) .
وهكذا ولنستطلع هذا النور الذي أضاء في سماء إنطاكية وسرعان ما عم نوره أرجاء العالم هذا النور هو
الشهيد الطوباوي القديس فيلوثاؤس بركة صلواته تكون معنا آمين .
جسد القديس :
لقد مضت سنوات الإضطهاد الكبرى وجسد القديس فيلوثاؤس مخفي عن العيون حتى زالت الغمة وإنقشع
الضباب وإنتصرت المسيحية وإندثرت الوثنية وجاء الكرام يفلح الأرض في البستان الذي يضم رفات القديس
الطفل بينما هو يهوي بفأسه علي الأرض لم يجده فقد سقط داخل حفرةٍ فلما مد يده لإخراجه فإذا به يعثر علي
قبر القديس فوسع الحفرة حتى أخرج جسد القديس الطاهر ففاحت منه رائحة طيبة .
فلما إجتمع أهل المدينة قال البعض إنه جسد أحد الأولياء ولكن البعض الآخر إنه جسد القديسين لأجل
الرائحة العطرة التي خرجت من الجسد تؤكد أنه لأحد القديسين فسارع أناسٌ منهم وإستدعوا الأب البطريرك
القديس ساويروس فلما جاء أمر بفك الأربطة من حول الجسد فظهر الجسد الطاهر فتقدم البطريرك القديس في
صلاةٍ إلي الله ليكشف سر هذا القديس .
وما كانت الصلاة تنتهي حتى ذُهِل الجميع إذ وجدوا أحد الحاضرين وكان أعمي وأخرس يصرخ ويقول:
واحدٌ هو الله إله هذا القديس لا تلمس جسده يا أبي البطريرك لأننا غير مستحقين أن نلمس القديس الطوباوي
فيلوثاؤس إبن رانديانوس وإسم أمه تاؤدورة أستحلفكم بإسم المسيح أن تدلوني على قبر هذا القديس حتى
أكشف لكم سره العجيب .
وبعد أن مجد البطريرك الله علي معجزة شفاء الأخرس أمر بإنزاله إلي القبر وما كاد الرجل ينزل حتى صرخ
قائلاً : أيها القديس الطوباوي كما أُطلق لساني فتكلمت وأظهرت إسمك وشهادتك وسط هذا الجمع أتوسل إليك أن
تنعم عليَّ بنعمة البصر أيضاً حتى أُظهر كتاب شهادتك الذي كتبه هاليودروس صاحب البستان الذي دفنك فيه ،
وللمرة الثانية تحققت معجزه ثانية بشفاء القديس فيلوثاؤس فقد إنفتحت عيني الرجل وأصبح يبصر جيداً فمد
يده تحت رجلي القديس وأخرج زيراً مختوم وقدمه إلي القديس ساويروس البطريرك فلما فتحه الأب البطريرك
وجد فيه كتاب شهادة فيلوثاؤس وسيرته من يوم مولده حتى ساعة إستشهاده .
وقد ذُكرت في السيرةِ العطرة كل العذابات والإضطهادات التي قاساها كما سُجلت فيها المعجزات التي أكرم
الله بها قديسنا الطوباوي وقد صدر الكتاب بكلمة من صاحب البستان هاليودروس قال فيها أنه آمن بالمسيح فلما
علم بإستشهاد القديس ذهب وأخذ الجسد ودفنه بإكرام شديد وكتب قصته الحقيقية ووضعها في زير فخاري
بجانب الجسد حتى إذا تم العثور علي الجسد أمكن التعرف علي صاحبه وسيرته الذكية .
فلما قرأ الأب البطريرك هذه القصة سجد الله شكراً وتمجيداً وسجل القصة في السنكسار في يوم 6 من شهر
طوبه ثم تعاهد أهل أنطاكية على بناء كنيسة على إسم القديس فيلوثاؤس ليضع فيها جسده الطاهر والي أن يتم
بناء الكنيسة ثم نقل رفات القديس الطفل بإحتفال مهيب إلي كنيسة السيدة العذراء مؤقتاً وعندما إكتمل بناء
البيعة الطاهرة التي علي إسم القديس فيلوثاؤس إجتمع أهل المدينة وعلي رأسهم البطريرك وحملوا الجسد
الطاهر علي عربةٍ إلي الكنيسة الجديدة .
وفي الطريق صادفهم موكب ميت محمولاً إلي القبر فلما إقترب النعش من العربة التي تحمل رفات القديس
قام الميت من الموت فتعزى الجميع بهذه المعجزة ومجدوا الله على أنه يُظهر ذاته في قديسه .. وهكذا توالت
المعجزات التي تمت في بيعة القديس فيلوثاؤس في أنطاكية.