كيف نتعامل مع الانترنت - لنيافة الانبا موسى

 

1- مقدمة

 

لقد انتشرت شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، فى كل أنحاء العالم، وبدأ الجميع - وبخاصة الشباب - يتعاملون معها، ويقضون وقتاً طويلاً أمامها.

ولاشك أن هذا العدد سيتنامى باستمرار، وبخاصة بعد أن أصبح الكومبيوتر هو "لغة العصر"، وبعد المشروع المصرى الهام: "كومبيوتر لكل بيت"، بالتقسيط المريح.

وهنا تأتى عدة أسئلة :

1- ما هى الإيجابيات والسلبيات فى هذه الشبكة؟

2- كيف أميِّز بين الإيجابيات (لأستفيد منها)، والسلبيات (لأتحاشى تأثيرها)؟

3- كيف أنفذ اختيارى للإيجابيات، رغم إغراءات السلبيات الطاغية والمتجددة والضاغطة؟

4- ما دور مسيح القيامة...المسيح الحىّ... فى مساعدتى فى ذلك؟

5- كيف أقتنى مسيح القيامة، ليسندنى فى هذا الميدان اليومى الهام؟

 

2-: الإنترنت... مالها، وما عليها ؟

 

لاشك أن شبكة الإنترنت مليئة بالإيجابيات، ولكنها - فى الوقت نفسه - تحمل إلينا الكثير من السلبيات.

وقد آثرت أن أسأل شباب المرحلة الثانوية فى أحد مؤتمرات الشباب بالولايات المتحدة هذا السؤال، لأتعرف على رأيهم فى ذلك... فقالوا إن الإنترنت إيجابيات وسلبيات، لخصوها كما يلى :

 

أولاً: إيجابيات الإنترنت :

 

1- تدفق كمية هائلة من المعلومات. 2- انتشار كلمة الله.

3- التعرف على مفردات المسيحية والأرثوذكسية. 4- التواصل اليومى بين الناس.

5- حجرات الدردشة العامة. 6- كافة نشاطات الإنترنت الإلكترونية.

7- التلفزيون التفاعلى.

 

ثانياً : سلبيات الإنترنت:

 

1- الأفلام المخلة بالآداب. 2- الإدمان الكومبيوترى.

3- متاعب فى الإبصار. 4- متاعب صحية.

5- متاعب إجتماعية. 6- المعلومات المضادة.

7- الإستخدام الخاطئ.

 

فلنتحدث عن ذلك بشئ من التفصيل، ثم نسأل: كيف نتعامل مع الإنترنت؟

 

أولاً: إيجابيات الإنترنت :

 

1- تدفق كمية هائلة من المعلومات فى كافة فروع المعرفة: العلم والأدب والفن والثقافة والآثار... بحيث لا يحتاج الإنسان إلى شراء كتب وموسوعات، بل يجد كل شئ أمامه، ومن خلال ماكينة البحث Search Engine يصل إلى أدق معلومة فى أى موضوع، وخلال دقائق قليلة.

 

2- انتشار كلمة الله، الإنجيل المقدس، إلى كل أنحاء العالم، بدون أى عناء أو طباعة أو شحن، وما يتكلفه ذلك من أموال طائلة، ومجهودات هائلة. لقد أصبح من الممكن الآن لمن يريد الإطلاع على أية آية، فى أى موضوع، وأى سفر من الكتاب المقدس، أن يجد ذلك متاحاً، ويمكن أن يحمل الكومبيوتر الشخصى، أو CD بسيط، ليجد عدة ترجمات للكتاب المقدس، مع تفسيرات لكل كلمة فيه.

 

3- التعرف على مفردات المسيحية والأرثوذكسية ممكن من خلال هذه الشبكة. وبالطبع سيجد الباحث العديد من الدراسات حول الكتاب المقدس، والإيمان المسيحى، والعقيدة الأرثوذكسية، من مصادر متنوعة، فكل كنيسة لها الآن مواقعها المتعددة على الإنترنت، تحكى آراءها، وتعبر عن فكرها، وتعلن عن نشاطاتها، من خلال هذه الشبكة الدولية.

 

4- التواصل اليومى بين الناس صار ممكناً من خلال هذه الشبكة، ومن خلال قائمة البريد الإلكترونى التى يمكن أن تضم الآلاف من أبناء كنيسة واحدة. ويستطيع كل خادم أن يتواصل مع مخدوميه، من خلال رسالة يومية بالبريد الإلكترونى. وهذا ما نراه حالياً بين الشباب، الأمر الذى يمكن أن يكون بمثابة إفتقاد يومى، وتغذية وتعزية روحية، بكلمة الله أو بأقوال القديسين...

 

5- حجرات الدردشة العامة... Paltalk التى تستخدمها بعض الكنائس للتواصل مع أبنائها فى كل عام... وكم كنت سعيداً حين أخبرنى الشباب فى استراليا أنهم يستمعون إلى حجرة دردشة كنيستنا فى زويلة وغيرها: القداسات والعظات والألحان وغير ذلك. إنها وسيلة تعليمية ممتازة، تشبع أحباءنا فى كل العالم، ويمكن أن يستمع إليها كل البشر من مختلف اللغات والجنسيات، فيتعرفوا على كنيستنا ومسيحيتنا الأرثوذكسية.

 

6- كافة نشاطات الإنترنت الإلكترونية مثل E-booking "شراء تذاكر الطائرات إلكترونياً"، و E-trading "التجارة الإلكترونية"،E-shopping "التسوق الإلكترونى"، و E-government "الحكومة الإلكترونية"... وهى نشاطات أصبحت شائعة وشاسعة، يستخدمها الناس يومياً، وتغنيهم عن التنقل واستنزاف الوقت والوقود، مما سيخفف من ازدحام الشوارع، ويسهل على الناس الحصول على ما يريدون دون عناء.

 

7- التلفزيون التفاعلى... الذى سينتشر خلال فترة وجيزة، وفيه مزج بين الكومبيوتر والتلفزيون، فيستطيع الإنسان أن يشاهد كل ما على الإنترنت على شاشة التليفزيون، وهذا أسهل وأمتع. ويمكن للمشاهد أن يتحكم فيما يرى، إذ يختار مثلاً برنامجاً ويخزّن أخراً، أو يختار كاميرا تصوير من زاوية معينة غير الكاميرا المعروضة... كذلك يمكن للمشاهد أن يوقف إعلاناً عن سلعة معينة، ويدخل إلى تفاصيل هذه السلعة، وأنواعها، وأسعارها، ويتعاقد على شراء ما يريد، ويدفع المطلوب من خلال الكارت، ثم يعاود مشاهدة ما فاته من البرنامج أو المباراة التى كان يشاهدها.

 

هذه مجرد أمثلة للإيجابيات التى يمكن أن تكون للإنترنت فى حياتنا، فماذا عن السلبيات؟

 

ثانياً: سلبيات الإنترنت :

 

1- الأفلام المخلة بالآداب والمثيرة للغرائز Pornography وما أكثر مواقعها على الإنترنت، وما أكثر اقتحامها للمشاهد الإيجابية رغم إرادة المشاهد.

 

2- الإدمان الكومبيوترى... حيث يقضى الشباب ساعات طوال كل يوم، سواء فى مشاهدة أمور إيجابية، أو - وهذا هو الأخطر - مشاهدة أمور سلبية. وهذا الإدمان صار معروفاً ومقنناً على مستوى العالم، ويحتاج من الشباب إلى انتباه، لأن خطورته حادة وجادة، إذ يؤثر فى التكوين الشخصى والنفسى لصاحبه.

 

3- متاعب فى الإبصار... بسبب الاقتراب من الإشعاعات الصادرة عن شاشة الكومبيوتر،

وما يمكن أن تسببه من أمراض للعين...

 

4- متاعب صحية... إذ ينحنى الشباب أمام الأجهزة فى وضع يكاد يكون ثابتاً، ولفترة طويلة، مما يؤدى إلى متاعب فى فقرات العمود الفقرى، مع ضعف عام فى عضلات الظهر والجسم كله، بسبب الامتناع عن الرياضة والحركة والمشى.

 

5- متاعب إجتماعية... إذ ينعزل الشباب عن أسرته، وأصدقائه، وكنيسته، ومجتمعه، بسبب إدمانه لمشاهدة برامج الشبكة التى لا تنتهى أبداً، فى كل لحظات النهار والليل... وهذا يتسبب فى متاعب إجتماعية جمة إذ يفقد الشباب أصدقاءه. والزوج أيضاً يفقد التواصل مع زوجته وأولاده، وهى أمور جد خطيرة!

 

6- المعلومات المضادة... المتوفرة على الشبكة، التى تهاجم المسيحية كإيمان، أو الأرثوذكسية كعقيدة... وتنشر فى حرية كاملة البدع والهرطقات والإنحرافات العقائدية... سواء بطريقة موضوعية أو غير موضوعية. وهناك الكثير من حجرات الدردشة من هذا النوع السلبى.

7- الاستخدام الخاطئ... فقد يشعر إنسان بآلام فى الجانب الأيمن والأسفل من بطنه، فيستشير الشبكة، فتعطيه بعض المسكنات الطبية، التى تكون خطيرة على صحته. فهذا الألم قد ينتج عن حصوة أو تقلصات فى الحالب، أو القولون، أو عضلات البطن، وقد يكون نتيجة التهاب فى الزائدة الدودية، فإذا أخفيناه بالمسكنات، انفجرت الزائدة وتحولت إلى التهاب بريتونى خطير... لهذا يجب اللجوء للطبيب، وليس للإنترنت، فى الأمور الصحية.

 

كيف نتعامل مع الإنترنت؟

 

إن التعامل مع الإنترنت يحتاج منا أن نتبنى مبدأ :

 

"Select and Reject" أى "اختر... وارفض".. وهذا مبدأ كتابى هام: "امتحنوا كل شئ... تمسكوا بالحسن" (1تس 21:5)... لذلك يحتاج الشباب إلى أن يميزوا بين الغث والسمين، وبين البناء والهدام. والأهم من ذلك، يحتاجون بعد أن يميزوا... أن تكون لديهم قدرة تنفيذ الاختيار البناء، ومقاومة الأمور الهدامة..

 

هنا يبرز رب المجد يسوع، مسيح القيامة الحىّ، ليعطينا :

 

1- قدرة الإفراز والتمييز بين الخطأ والصواب...

2- قدرة تنفيذ الصواب والامتناع عن الخطأ...

3- الشبع الروحى الذى يعطينى إمكانية الإنتصار...

وبهذه المبادئ الثلاثة يمكن للشباب أن يتعامل مع الإنترنت بطريقة جيدة

 

1- التمييز بين الخطأ والصواب :

 

فالرب يسوع هو الذى يفتح عيوننا، وينير أذهاننا لنعرف الصواب من الخطأ ،والبرنامج البناء

من الهدام...

 

 "يعطيكم... روح الحكمة والإعلان فى معرفته، مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه فى القديسين" (أف 17:1،18).

 "أن تزداد محبتكم أيضاً أكثر فأكثر فى المعرفة وفى كل فهم، حتى تميزوا الأمور المتخالفة، لكى تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح" (فى 9:1،10).

 "أما الروحىّ فيحكم فى كل شئ، ولا يحكم فيه من أحد... أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو 15:2،16).

 

وهذا معناه أن الإنسان الذى تملأ قلبه محبة المسيح يكون مستنيراً، ويستطيع تمييز الصواب من الخطأ، إذ يكون له فكر المسيح، ويتحرك تحت قيادة الروح القدس، الذى قال عنه رب المجد: "متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق... يأخذ مما لى ويخبركم..." (يو 13:16،16).

 

وفى هذا يقول معلمنا يوحنا: "أما أنتم فلكم مسحة من القدوس (مسحة الميرون المقدس) وتعلمون كل شئ... كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ، وهى حق وليست كذباً، كما علمتكم تثبتون فيه" (1يو 20:5،27).

 

ولا يعطينا الرب إمكانية التمييز فقط بل يعطينا أيضاً...

 

2- القدرة على تنفيذ الصواب :

 

فالإنسان الشبعان بمحبة المسيح، يستطيع بقوة الرب الساكن فيه، وبمسيح القيامة المستقر فى أعماقه، أن ينفذ الإختيار الصائب، ويهزم الإختيار الخاطئ... وفى هذا يقول الرسول بولس :

 

 "الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو 14:8).

 "فى هذه جميعها، يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو 37:8).

 "أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى" (فى 13:4).

 "تكفيك نعمتى، لأن قوتى فى الضعف تكمل... لأنى حينما أنا ضعيف (بذاتى)، فحينئذ أنا قوى (بنعمة المسيح)" (1كو 9:12،10).

 "النفس الشبعانة تدوس العسل" (أم 7:27).

 

وهكذا يستطيع الشاب المسيحى المؤمن، الشبعان بالنعمة، والمملوء بمحبة الرب، أن يدوس على العسل المسموم الذى تقدمه له شاشات الإنترنت، والتليفزيون، والأفلام المنحرفة، والمطبوعات الضارة. إنه قادر - بنعمة المسيح - أن يهزم كل هذه، ويهزم من ورائها عدو الخير، الذى "يجول كأسد زائر، ملتمساً من يبتلعه" (1بط 8:5).

 

3- الشبع الروحى الذى يعطينى إمكانية الإنتصار :

 

فمن المستحيل على النفس الجائعة أن تمتنع عن شئ ما، حتى لو كان مراً!! كما قال الحكيم: "النفس الشبعانة تدوس العسل. وللنفس الجائعة كل مر حلو" (أم 7:27).

إذن، فحينما يشبع الشباب روحياً من خلال :

 

 فرص القداس الإلهى والتناول، والأصوام...  فرص حفظ التسبحة والألحان الكنسية.

 فرص الصلاة المتنوعة بالأجبية أو الصلوات السهمية، أو الصلوات الخاصة.

 القراءات فى الكتب الروحية، وأقوال وسير الآباء القديسين.

 الانتظام فى حضور الإجتماعات الروحية.

 الخدمة للآخرين، التى تجعلنا نتلامس مع السيد المسيح شخصياً.

 

نقول... حينما يشبع الشباب بهذه الوسائط، سيدوسون عسل الخطيئة المسموم، سواء جاءهم على شاشة صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، أو من خلال الحواس المختلفة، أو العلاقات التى يتعرضون لها فى المدرسة أو الشارع أو مكان العمل..

 

كذلك يحتاج الشباب إلى الإشباع الفكرى والثقافى، حينما يدرسون الكتاب المقدس، وعلوم الكنيسة، والثقافة العامة، حتى ما تمتلئ عقولهم بموضوعات ومعلومات بناءة، وتستنير بنور المسيح والحكمة والمعرفة. وحينئذ سيشعرون أن عندهم ما يشغلهم عن الشاشة : كالقراءة والدراسة والصلاة والتأمل... وقديماً قال الأنبا أنطونيوس: "كثرة القراءة تقوم العقل الطّواف"، كما قال أيضاً: "أتعب نفسك فى القراءة، فهى تخلصك من النجاسة".  الرب يعطى شبابنا المبارك روح الإفراز والتمييز، وقدرة إتخاذ القرارات السليمة، والاختيارات البناءة

"بِعَدْلِكَ نَجِّنِي وَأَنْقِذْنِي. أَمِلْ إِلَيَّ أُذْنَكَ وَخَلِّصْنِي" (سفر المزامير 71: 2)