لماذا الصليب ؟ - لنيافة الانبا موسى
ما ضرورة أن يفتدى الله الإنسان الساقط؟
وهل كان لابد من أن يتجسد الله لإنقاذ الإنسان؟
وأكثر من ذلك، هل كان حتمياً أن يصلب؟
لماذا كل هذا؟!
فلنبدأ القصة من أولها...
سقط الإنسان :
وكان من نتيجة ذلك السقوط أمران :
1- حكم الموت : "لأن أجرة الخطية هى موت" (رو 23:6).
2- فساد الطبيعة : إذ تلوثت الصورة التى خلقنا عليها، حينما دخلتها الخطيئة، وعمل فيها الموت.
وكان هناك أحد ثلاثة حلول :
1- أن يموت آدم :
وفى هذا تناقض مع محبة الله اللانهائية...
وكذلك تناقض مع كرامة الله، إذ كيف يقبل إلهنا العظيم أن يخلق آدم وحواء، وحينما يسقطان فى الخطية، يطالهما حكم الموت، فيموتا، وهذا ما يطمح إليه إبليس، بعد أن أغواهما.. فيخلق الله آدم جديداً، حراً بالطبع، ليسقط مرة أخرى، ويموت.. وهكذا فى سلسلة من انتصارات الشيطان المتواصلة... فهل هذا معقول أو مقبول؟! إن هذا ليتنافى مع حكمة الله وكرامته.
2- أن يسامح الله آدم :
ولكن هذا يتناقض مع عدالة الله اللانهائية.
كما يتعارض مع استمرارية الفساد فى طبيعة آدم... الفساد الذى سيجعله يستمر فى حالة الخطيئة والموت... فما فائدة الغفران مادامت الطبيعة فاسدة، وسوف تخطئ باستمرار؟
3- أن يفدى الله آدم : فالحل الوحيد يكمن فى إيفاء الشروط التالية :
أن يفلت آدم من حكم الموت. أن يموت آخر بديلاً عنه.
أن تتجدد طبيعة آدم من الفساد.
وهذه الأمور الثلاثة تستدعى فادياً ذا مواصفات خاصة، يستحيل أن تجتمع فى إنسان أو ملاك.. لهذا نصلى فى القداس الغريغورى قائلين: "لا ملاك، ولا رئيس ملائكة، ولا رئيس آباء، ولا نبياً، ائتمنته على خلاصنا، بل أنت بغير استحالة تجسدت وتأنست، وشابهتنا فى كل شئ ما خلا الخطيئة وحدها".
فعلاً.. فالفادى المطلوب يجب أن تجتمع فيه المواصفات التالية :
أ- أن يكون إنسانـاً.. ليمثل الإنسانية الساقطة.
ب- أن يموت.. لأن أجرة الخطية موت.
ج- أن يكون غير محدود.. لأن خطيئة آدم غير محدودة والفداء المطلوب يجب أن يكون غير محدود، ليكفر عن خطايا البشرية كلها عبر الدهور.
د- أن يكون بلا خطية.. لأن فاقد الشىء لا يعطيه.
هـ- أن يكون خالقاً.. ليستطيع تجديد خلقة الإنسان.
وهذه المواصفات الخمسة يستحيل أن تتيسر لملاك، أو رئيس ملائكة أو نبى.. والوحيد الذى يمكن أن تجتمع فيه هذه المواصفات هو الله: غير المحدود، القدوس الذى بلا خطية، والخالق القادر على تجديد الإنسان، وإعادته إلى الصورة الأولى.. كل ما فى الأمر أن يتحد هذا الإله العظيم، بناسوت بشرى، ويموت بدلاً من آدم.. ثم يقوم بقوة لاهوته، بعد أن يكون قد قام بمهمة إطلاق سراح آدم من حكم الموت الرهيب، ليس الموت الجسدى فحسب، بل الموت الروحى إذ قد أنفصل عن الله، والموت الأدبى إذ أهانته الخطيئة والموت الأبدى، لأن عقاب الخطيئة هلاك أبدى.
وهكذا تجسد أقنوم الكلمة وتأنس، وشابهنا فى كل شئ ما خلا الخطيئة وحدها، وإذ ارتفع عنا على عود الصليب، وسفك دمه من أجلنا، ثم مات وقام وصعد، أقامنا معه وأصعدنا معه إلى السموات.